العيد عيدين
انقضت أيام شهر رمضان المبارك سريعا بعد أن عاش فيه المسلمون أياماً وليالي عامرة باللطف الإلهي وتحت ظل رحمته وفيض بركاته وفي ضيافة مميزة من رب العالمين، حياة الإنسان في الدنيا يستمتع في ضيافة من يحب وترتاح نفسه بالجلوس معهم والاستمتاع بلطف وجودهم يذهب الوقت سريعا والجميع يتمنون أن يطول، فكيف إذا كانت الضيافة تحت لطف وبركات أكرم الأكرمين وتحت ظل تلاوة عطرة من القرآن الكريم والمناجاة أدعية عظيمة ترقق القلب وتقرب العبد للفضائل، والجوائز لا تعد ولا تحصى وألطاف لا تقدر بثمن، وأعمال جليلة أخرى اجتماعية من زيارة الأقارب وتوطيد العلاقات ومساعدة الفقراء والمحتاجين مما يشيع جو من الألفة والمودة والوئام ونشر ثقافة التسامح والتصالح والتقارب كل ذلك من أفضل الأعمال التي يتقرب بها لله تعالى وكذلك نبد الكراهية والبغضاء والخلافات التي تفتك بالمجتمعات وهذا من فضائل الاستفادة من هذا الشهر المبارك.
ليالي وأيام عظيمة لا يعرف قيمتها إلا الله تعالى، ومن كرس اهتمامه وأعطاها من وقته لينال بركات هذه الأيام والليالي، وأعظم ما في هذه الليالي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وأحداث عظيمة تم إحياؤها تعظيما لمكانة أصحابها وما قدموه للإنسانية من عطاء.
شهر كريم لتزكية النفس وتصحيح ما دخل في القلب وتنظيف للعقل والفكر مما خالطه من سلبيات طوال أيام السنة، ليكون الخاتمة العيد المجيد والفوز بمشيئة الله تعالى بالدرجات العليا، هنيئا للفائزين بفرحتهم بعيد نجاحهم وتتويج أفعالهم صفاء أرواحهم وقربهم من الله تبارك وتعالى وما يعكس هذا القرب على مجمل العلاقات الأسرية والعائلية والمجتمعية على المستوى الفردي والاجتماعي، فالعيد وفرحته أن يكون برهاناً للتوحد والمحبة والتلاقي في اجتماع مهيب.
ليتعدى الفرح والسرور من المستوى الفردي إلى مستويات أعلى ليعم الخير جميع المسلمين في أنحاء المعمورة ويعم الأمن والسلام على الأمة الإسلامية بشكل خاص بعد سنوات من القطيعة بين كثير من الدول العربية والإسلامية، وحروب مرت أشعلت في كثير من البلدان بسبب الإرهاب أزهقت فيها أرواح الكثير من الأبرياء بسبب الفتن التي حيكت من قوى عالمية لتفتيت المكونات الإسلامية واشترك معها قوى الشر مما خلف معاناة كثيرة من قتل وتهجير وحصار ونزوح وجرائم حرب في أكثر من ساحة، أعمال شريرة خارجة عن كل الأعراف الدينية والمواثيق الدولية والروح الإنسانية جيل من ابتلي بهذه الفتن لم يشعر بطفولته وشباب لم يعش فترة شبابه وكهول انتهت حياتهم في الملاجئ في فقر وعازة وبطالة وتدمير للبنى التحتية.
إن ما يبعث على الأمل بمستقبل أفضل في ظل الجهود الحثيثة لرأب الصدع في أكثر من موقع إسلامي وهذا ما يثلج الصدر ويدخل على القلب السرور مما يعم خير هذا التوجه على الجميع مزيد من الأمن والأمان والاستقرار السياسي والاقتصادي، وهذا من دواعي الشكر لله تعالى ومن ثم الشكر للقائمين بصدق على مثل هذا التقارب المفرح والمبهج الذي طال انتظاره وتاقت النفوس محضره، مع أمنيات ودعاء أن تتضافر الجهود والمساعي لتقديم الأفضل على صعد أخرى ليكون العيد عيدين، فالأمة الإسلامية قد تمرض وتتكالب عليها الفتن من قوى الشر لكن لا تموت، وأن ما تمر به ليس مستعصيا إذا وجدت الإرادة وفعلت الحكمة كل شيء قابل للإصلاح وتغير الواقع المتخلف إلى واقع أفضل.
مع لبس أفضل الثياب والتطيب بأجود الأطياب، يجب أولا تطييب الأنفس مما أصابها من وهن أو ظلم للآخرين.