تحمل المسئولية الدينية والأسرية
قال تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ - الصافات الآية 24.
شتان ما بين حياة الضياع والخطوات غير المحسوبة والتيهان بين دروب الحياة دون أن يضع المرء محددات لشخصيته، وبين من تلقى تربية تحمل المسئولية عن كل ما يصدر منه من قول أو فعل والنظر في عواقب الأمور ونتائج خطاه، سنجد المشهدية تحمل لوحتين مختلفتين تماما ومسارين لا يلتقيان وحياة متلونة بالهم والأحزان بسبب الأزمات التي لا يجد لها حلا، وبين حياة السعادة والطمأنينة الناتجة عن امتلاك عقل واع ونفس عالية لا تعرف التهرب عن ساحة التحديات ومواجهة الصعوبات، بل يبادر إلى تحمل المسئولية معتقدا أن الحل لا يأتي من الخارج من خلال مساعدة الآخرين لوحدها، وإنما الحل يسكن بين جنباته والبداية تنطلق منه فليبدأ في بحث جوانب المشكلة ومساراتها ومآلاتها، ومن ثم يقيم الوضع والخسائر الناجمة عما وصل إليه حاله ويبدأ رحلة البحث عن الحلول الممكنة والمرضية، وأما من اعتاد على التخلي عن المسئولية وتربى على ذلك منذ صغره فإنه لن يقوى على مواجهة تحديات الحياة وصعوباتها، فالشخص الاتكالي يرمي بكل واجباته على غيره ولا يفكر في قيامه بها وهكذا سيكون عالة على غيره، بينما المجتمع المتقدم يتكيء على أفراده الذين يحملون تطلعات وآمالا وخططا لتنميته وازدهاره وبلوغ الغايات من التطور، بينما أولئك الذين تخلوا عن مسئولياتهم الشخصية بالتأكيد لا يرتجى منهم أي مساهمة إيجابية من خلال أخذ دورهم في بناء لبنات المجتمع.
الآية الكريمة تتحدث عن جانب الأعمال الصادرة من الإنسان في الدنيا والتي سيحاسب عليها يوم القيامة بدقة متناهية، وعليه أن يتحمل مسئولية تلك الأمانة المتمثلة بالعبادات والمعاملات المالية ومراعاة الأحكام والشرائط الشرعية الخاصة بها، وآه ثم آه لمن فرط وتكاسل وأهمل فيها حيث غرته الدنيا وانشغل بملذاتها واللهث خلف المال والجاه متناسيا يوم الحساب، فالشعور بالمسئولية حركة وإرادة وممانعة للتقصير وارتكاب الخطايا وحذر في ساحة الحياة من الملهيات والمغريات، وتربية النفس وتهذيبها وإصلاحها هو الطريق للفلاح والنجاة من العقوبة الإلهية، وهذه المسئولية لا يقتصر نطاقها على العبادات بالمفهوم الخاص، بل يمتد ويشمل جميع جوانب حياته الاجتماعية والفكرية، فالعلاقات مع الآخرين يشملها جانب المسئولية وتجنب كل ما يعكر صفوها من مزاجية وعصبية، وكذلك يتحمل المسئولية في القضايا المالية والتي يترصد فيها الشيطان الرجيم الإنسان ليسقطه في أتون الحرام والشبهات، فيغريه بالظفر بالسعة المالية وأن الأمر يعتمد على انتهازه واقتناصه للفرص، وبهذا المسمى «الفرص» يكون التمويه والخداع ليلج في الرشوات وأكل أموال الناس بالباطل وغيرها.
وهناك المسئولية الأسرية والاهتمام بتنشئة جيل واع ويمتاز بسلوكيات محبوبة، فالتربية والثقافة الأسرية تعد منابت وجذور تكون ملامح شخصية الأفراد واتصافهم بالقيم من عدمها، والمسئولية لا تقع على عاتق الأب بل هي مشتركة مع الأم ومبنية على التفاهم والانسجام بينهما؛ ليتشاركا في بناء شخصيات أبنائهم ومتابعة سلوكياتهم وتوجيههم نحو الاهتمام بدراستهم ومستقبلهم وتعاهد تعاليم دينهم الحنيف، فالأبناء متى ما وجدوا في تلك الأسرة الأمان والدفء والعاطفي والاهتمام بأحوالهم كان ذلك داعيا إلى تمسكهم بمنظومة القيم والمباديء، فاليوم نجد أن اتجاهات الانحرافات الفكرية والسلوكية قد تشعبت وكثرت وخصوصا مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا كان عند الأبناء حصيلة وخلفية ثقافية ومعرفية وسلوكية استقوها من منابع الأسرة، كان ذلك صمام الأمان لهم من الوقوع فريسة لأصحاب الدعاوى المشبوهة، وكذلك يجدون من والديهم المساندة والمشاركة في همومهم وتطلعاتهم ومشاكلهم، فالحوارات الأسرية تنمي الفكر الواعي، وهذه الحالات من الضياع والانحراف والإجرام والحرمان عند بعض الأبناء كانت نتيجة لإهمال الوالدين وانغماسهم في مشاغلهم الخاصة وتخليهم عن مسئولية الاهتمام والرعاية لأبنائهم.