آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

شهر التوبة 23

محمد أحمد التاروتي *

الآثار المترتبة على اختلاف مفهوم الصيام لدى الصائم، يمكن تلمسها بشكل واضح في السلوك الاجتماعي، فالإمساك عن الطعام والشراب يحدث أثرا واضحا على الصعيد النفسي، والصحي، وكذلك في القدرة على تحمل معاناة الجوع طوال ساعات النهار، الأمر الذي يخلق حالة من الارتياح النفسي لدى الصائم، جراء الالتزام بفريضة كبرى من الفرائض الإسلامية، خصوصا وان انتهاك حرمة الصيام والإقدام على الإفطار في نهار الشهر الفضيل، يمثل جريمة كبرى بحق الذات، وجرأة على حرمة على الله، بحيث تبقى تداعياتها ماثلة في النفس لفترة طويلة، إذ تلعب النفس اللوامة دورا كبيرا، في تقريع الذات بطريقة مستمرة، الأمر الذي يقوي الإحساس بالذنب على الدوام.

الإمساك عن الأطعمة والأشربة يربي النفس، على مقاومة المغريات المادية، مما يساعد الإنسان على الوقوف بقوة أمام وساوس النفس، في العديد من الممارسات الخاطئة، خصوصا وان الإنسان يضعف كثيرا أمام العديد من الشهوات المادية، الأمر الذي يتمثل في عدم القدرة المريض على الصمود، لفترة طويلة عن الإمساك عن بعض الأطعمة المحظورة، وبالتالي فإن الدخول في دورة سنوية لتقوية الإرادة، على مقاومة الملذات الحلال يخلق حالة من الرضا الذاتي، لا سيما وان الفشل في مقاومة الملذات على اختلافها يدمر الإرادة، ويمهد الطريق لمواصلة مسيرة الانحدار، والسقوط نحو المزيد من الانتكاسات على الصعيد المادي.

التوقف عن الطعام والشراب خلال ساعات النهار طيلة شهر كامل، يمثل مصداقا عمليا للالتزام بفريضة الصيام، فهذه الفريضة تلزم المسلم على الدخول في تجربة بشكل سنوي، حيث لا تقتصر هذه الفريضة على الجوانب الصحية في تنظيف الجسم من السموم التي يختزلها طوال عام كامل، وإنما تكمن الآثار المترتبة على التوفيق الإلهي بأداء فريضة الصيام، في الجانب الروحي والنفسي، ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ“ وبالتالي فإن الجانب الديني يشكل ركنا أساسيا في تكرار الصوم بشكل سنوي.

اجتناب الأعمال السيئة، والالتزام بالمثل الأخلاقية، لا تقل أهمية عن الإمساك عن الطعام والشراب، خصوصا وان الجانب الأخلاقي يفتح الطريق إلى القلوب، فسوء الخلق يجلب على الإنسان بعض المصائب ويتسبب في الكثير من المشاكل، ”وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ“، و”وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ“، وبالتالي أن صوم الجوارح يشكل ركنا كبيرا، في أخلاقيات المسلم في مسيرته الحياتية، لاسيما وان السلوك الأخلاقي للمسلم يعكس الترجمة الحقيقية، للقيم الإسلامية العالية في الدين القويم، بمعنى آخر، أن إعلاء قيمة صيام الجوارح خلال شهر رمضان المبارك، يمثل فهم عميق لفريضة الصيام، لاسيما وان حرمة المسلم لا تقل عن حرمة انتهاك الشهر الكريم عبر الإفطار العمد، مما يستدعي التحرك باتجاه الإمساك بالجانبين، للحصول على النتائج السامية لفريضة الصيام.

الحرص على صوم الجوارح، يعكس حالة من الصفاء النفسي لدى الصائم، فالصائم الذي يتجنب الدخول في أعراض الناس، ويرفض الإساءة إلى الآخرين، يمتلك قيما أخلاقية عالية واحتراما كبيرا للذات، ومعرفة حقيقية بحرمة التعدي على الآخرين، مما يسهم في خلق إنسان قادر على تحريك الاعتقادات الدينية باتجاه الإيجابي، من خلال توظيف تلك القيم الأخلاقية، بما يعود على البيئة الاجتماعية بالصفاء والاستقرار، عبر تدعيم شبكة العلاقات الاجتماعية، بما يعود على الجميع بالمنفعة، وطرد جميع أسباب التشابك بين أفراد المجتمع الواحد.

وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان

اللهم: صل على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفظ مما حظرت فيه، وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك.

كاتب صحفي