آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 9:35 م

سوسيولوجياً «السيف ونجيبه» ينتصران للجزيرة في رواية «لؤلؤة تاروت»

جعفر العيد

”إن هذه الخضرة نراها على ضفاف القسم الأول من“ رواية الأشجار واغتيال مرزوق ”والتي زرع منها بيده أشياء كثيرة، لترمز إلى إيجابية شخصية نخلة“ الياس نخلة ”، وإيمانه المطلق بالجهد الإنساني المثمر الذي يبدأ بزراعة الأرض، وحبها، وتوليدها“.

مدار الصحراء ”دراسة في أدب عبد الرحمن منيف“
شاكر النابلسي 323 - الطبعة الأولى 1991م، بيروت

ربما كانت الإيجابية، والارتباط بالطبيعة هي التي تشابه أبطال رواية لؤلؤة تاروت، وأبطال رواية الأشجار واغتيال مرزوق للمرحوم الروائي عبد الرحمن منيف، مع اعترافنا بأن هناك فرقاً بين الروايتين، فبينما تكرس رواية منيف على الحياة البرية والأشجار تركز روايتنا الحالية على البحر، وتفاصيل الصيد والغوص، والنوخذة والسيب وبقية تفاصيل مجتمع البحارة.

ومن أجل هذه الهدف نعتقد أن المؤلفين بذلا جهداً كبيرا في فهم الحياة البحرية القديمة، واستعانا، بخبراء، وشعراء، لينسجوا لنا سوسيولوجيا البحر والبحارة المتخيلين، في بناء درامي جدير بالرصد

إذ بالرغم من أن قراءتي لهذه الرواية كانت تتصيد المواقف الإنسانية والصور الاجتماعية، لكن انطباعاً تبادر إلى ذهني من أن هذه الرواية، يمكنها ”لو حصل لها كاتباً سيناريستاً مبدعاً“ أن تخرج من عالم الورق إلى عالم السينما.

”لؤلؤة تاروت - رواية -“ منصور جعفر آل سيف، نجيبة السيد علي ”، بسطة حسن للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2021م“ 1442 هـ ”القطيف، المملكة العربية السعودية“.

الصحيح أيضا هي أنني لم أقم بعمل إحصائي للصور الإبداعية في الرواية، لكنني أورد هنا بعض الصور على سبيل المثال.

الصورة رقم ”1“ ”علت أصواتهم في فرح، وانطلقت أهازيجهم من أعماق امتزجت بهدير الرياح، وصفق الأمواج حتى لكأن البحار امتلك لغة البحر، فصارت أهازيجه لونا من ألوان المناجاة“. ”لؤلؤة تاروت“ ص 47.

الصورة رقم ”2“ ”انزوى حيدر بعيداً عن فرضة دارين، حتى غادرتها المراكب، وابتلع الأفق نواصي أشرعتها، حين أطلق رجليه على رمال السيف تغوص فيها، وتتمرغ في لزوجتها“. ”لؤلؤة تاروت“ ص 94.

الصورة رقم ”3“ ”اقتربت رؤوس الأشرعة شيئا فشيئاً، وكل يتمنى أن هذه الأشرعة لمحامل أحبابه، محامل كثيرة، لكن فأل الخير لم تعدّ بين معانق وواجم“.

”لؤلؤة تاروت“ ص 231.

لؤلؤة تاروت.. أم سواها؟؟

"سحب جواله النوكيا من الجيل الثالث اتصل على سفريات الشافعي في سيهات ثم أغلق. قال:

”لا يوجد حجوزات، أقرب حج بتاريخ 24/ 3 / 2003م“

بصراحة العبارة، عندما وصلت إلى هذه العبارة، أعدتها، وتفحصتها جيدا.. وتنهدت طويلاً، من الخدعة التي مارسها على ”كقارئ“ الكاتبان.

بدا لي أن الكاتب سيتكلم عن الوقت الحاضر بعد أن قطع مشوار 9 أجزاء في 105 صفحة من الرواية.

الأمر الذي لم يكن معتادا في رواياته السابقة ”عندما يحلم الراعي، وعابرة سبيل“.

وانشغلت كثيرا بقصة ما يطلق عليها الحبكة أو العقدة، إلا أن الرجوع إلى الحاضر في رواية تحكي عن الماضي ما هي إلا فرملة كبيرة، ومخاطرة، لصعوبة الربط بين خيوط اللعبة في الماضي، وخيوط الزمن الحاضر، إلا أن الكاتبين عبرا هذه المخاطرة، وهذا الجسر بسلام، وواصلت الرواية أحداثها عن البحر، ومجتمع البحر في الماضي.

قمت بالعودة أدراجي إلى بداية الحكاية، هل كان الدخول فيها مبررا، جذاباً، ومقنعا؟؟

تقول الرواية ”وضع“ حيدر غالب" عدّة الغوص مدلاة على كتفه، مرتاحة إلى ظهره، وهو يدفع باباً من جريد النخل، أحدث الباب خشخشة محتكا ببقايا أوراق متيبسة من سدرة نبق، سرعان ما زاد معها لغط الدجاج الذي هرع إلى حيدر في استقبال مودع، تتقدمهم غنمة صغيرة...

أمي.. جئت أودعك فنحن مستعجلون لكن نداءه ارتطم فجأة بترنيمة تأتيه خافتة" لؤلؤة تاروت ص 12

لينتقل بعدها إلى نسج علاقة حيدر غالب بحبيبته التي تدرس القرآن لدى أمه، وهي تصبح بنت النوخذة الذي كان حيدر غالب يشتغل معه قبل أن تدور الأيام وينفصل غالب عن هذا النوخذة ليصبح بطل الرواية هو نوخذة مستقلاً بحاله في مركب ”فأل الخير“.

نعود إلى قصة العودة إلى الحاضر وكسر الخيال المتصور لدى القارئ، وتوقعت أن الكاتبين أفرغا ما في جعبتيهما من أفكار وصور، وأن القصة انتهت إلا أن ذلك لم يكن دقيقاً.

بدا لي أن الروائيين هنا وفي تكملة الفصل العاشر، يريدان سد الفجوة بين الماضي والحاضر، من خلال الحوار بين الأب وابنته الجامعية والتي تمثل العصر الحاضر، وكذلك برسم شخصية البطل، وكأنه يسد الفجوة أيضا بين ماضي تاروت الذي اندثر وانتهى، وبين الحاضر المتمثل بالحاسب الآلي، والذي أعلمنا الكاتب بأنه تعلم الكتابة على الحاسب، ومظاهر أخرى في الفلة التي بناها وزينها ”غالب حيدر“ البطل، بكل الزخرفات الحديثة، لكنه لم ينس أن يطرح مجسما ً لسنبوك فأل الخير في حوش الفلة... وماذا تهدف هذه الرسائل، ولمن توجه؟؟

تبقى الأسئلة حائرة حول هذه الرواية ومقاصدها الاجتماعية، الروائيان يطربانك ويمتعانك، عندما يحبكان، ويربطان هذا الواقع بالماضي، حيث أن هذا الرجل يكمل رواية البطل الأسطوري غالب حيدر وحبيبته

لن أسترسل طويلا في سرد أحداث الرواية، بل سأطرح وجهة نظري كمراقب للأحداث من خارجها

لقد نجح الكاتبان في توظيف التراث ومصطلحاته، والبحر والسفين، وحياة البحارة، وصراعهم، في تمرير ما يؤيدان قوله، وهنا أقف مشدوه الخاطر، فاغر الفاه للأهداف، أو الرسالة التي يريد الكاتبان إيصالها من خلال الرواية.. بالسؤال البسيط والمعقد في نفس الوقت؟؟

هل كان الهدف البحر وأهواله، أم صراع البحارة، أو صراع النواخذة لأن حيدر غالب، يقرر أن يصبح نوخذة لا ينقصه شيء بعد أن طرد من عرض البحر، هل حبيبته بنت النوخذة السابق هي الهدف، ولماذا هذه الحبيبة مع جمالها وسحرها وانجراف البطل نحوها.. وضع الروائيان داخلها غصة وعيب، الأمر الذي يوجهنا نحو البحث عن هدف آخر.

جزيرة تاروت.. هي اللؤلؤة

لقد وجدتها إنها اللؤلؤة، أو ”Pearl The“ كما جاء في رواية جون شتاينبك، غيرها أنها هناك اسمها اللؤلؤة، وهنا اسمها لؤلؤة تاروت.. لكن من هي لؤلؤة تاروت هل هي بنت النوخذة ”السفان“، أم هي واحدة من هذه اللآلئ، أم مركب فأل الخير الذي صنعه غالب حيدر لنفسه لممارسة الصيد بحرية أم هو حجر البهت.. كما جاء في مسمى أحد اللآلئ الكبار لدى نوخذة غالب حيدر السابق ”السفان“.

قد يكون هذا أو ذاك، لكني أميل إلى أن الروائيان ربما قصدا كل تلك الشخوص كالغواص غالب حيدر، أو حبيبته بنت السفان، أو مركب ”فأل الخير“ الذي صنعه وأبحر به، وجلب به الخير، وظل معتزا به إلى نهاية عمره، وكذلك تلك الجوهرة الكبيرة التي تسمى حجر البهت في مصطلح البحارة قديماً.

إنه مجتمع تاروت بكل تفاصيله... إن المعيشة في الجزيرة بكافة الأبعاد التاريخية والأحاسيس الإنسانية، ومنها الحب والعشق، والبحر، وبساطة المعيشة هي القمر هي الشمس، وهي المكسب ن وهي اللؤلؤة الحقيقية... رواية جميلة استمتعت وطربت بفراءتها، لقد استطاع الروائيان نقلي إلى ذلك الزمن الماضي، أحسست بالضيم والقهر الذي عاناه آباؤنا البحارون، مع قساوة البحر وعجرفة النوخذة وظلمهم، كما استمتعت كبطل الرواية غالب حيدر بماء البحر وزرقته وملوحته وحريته الواسعة.. عندما ألقى بنفسه في أحضان الماء، بديلاً للطرد المدل، وانسداد الأفق في وجهه... بعدها تبسم الأمل في وجهه، كما هو في كل زمان ومكان.