شهر التوبة 22
معرفة فضل شهر رمضان المبارك، مدخل أساسي للحرص على الاستفادة القصوى من أيام الشهر الكريم، فالمعرفة تكشف العديد من الحقائق، والمزيد من الأسرار الكامنة، وراء تعظيم هذا الشهر الفضيل، الأمر الذي يدفع الصائم لعدم إضاعة تلك الساعات، والخروج بحصيلة وافرة من عطايا شهر الله، حيث تختلف المكاسب التي يحصل عليها الصائم، تبعا للتحركات على الصعيد الذاتي، الأمر الذي يفسر تفاوت الاستفادة من الشهر الكريم.
الجميع يدرك فضل شهر رمضان المبارك، بالقياس إلى بقية أشهر السنة، ”شهر هو عند الله أفضل الشهور“، بيد أن الإدراك لا يكفي للحصول على المكاسب المعنوية، التي تتوزع خلال الشهر الكريم، فالصائم مطالب باتخاذ الخطوات الداعمة، لاكتساب المزيد من المزايا على الصعيد الأخلاقي، وكذلك التربوي، فضلا عن الفضائل الأخرى، التي تتضمنها فريضة الصيام على المسلم، وبالتالي فإن معرفة فضل الشهر الكريم، يساعد في سد بعض الثغرة لدى المسلم، ”أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام“.
الحفاوة الزائدة لاستقبال شهر رمضان المبارك من قبل المسلمين، تعكس جانبا واضحا من المعرفة لحقيقة الشهر الكريم، حيث تختلف طريقة استقبال هذا الضيف الكريم، انطلاقا من حقيقة إدراك بعض المفاهيم المرتبة بفريضة الصيام، فالمعرفة لتلك المفاهيم تختلف من مسلم لآخر، الأمر الذي يفسر التباين الحاصل في طريقة التعاطي مع الصيام، بالبعض لا تتجاوز المعرفة جانبا ظاهريا لحقيقة هذه الفريضة الإسلامية، بينما البعض الاخر، قادر على النظر في الجوانب الباطنية، والعمل على إمعان النظر في مكنون الصيام، مما يساعد في الحصول على بعض الفوائد الخافية، على شريحة واسعة من الصائمين، ”أيها الناس إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عنكم، وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم“.
العلم يفتح الطريق أمام معرفة، فضل شهر رمضان المبارك، فالعالم بإمكانه التعرف على الكثير من الأسرار، والعمل على الاستفادة من العلم، بما يعود بالفائدة على الصعيد الذاتي، بينما الجهل يدخل المرء في طريق غير سالك، الأمر الذي يقود لحالة من التخبط، وعدم الاستقرار الذاتي، وبالتالي فإن حقيقة معرفة شهر رمضان المبارك، مرتبطة بامتلاك الأدوات اللازمة، لإزالة الأتربة العالقة على الفكر الإنساني، من خلال استخدام العلم في إضاءة بعض المعارف، والعمل على تسخير تلك المعرفة، بما يعود بالفائدة خلال المسيرة الحياتية، خصوصا وان العراقيل التي تعترض طريق الإنسان بحاجة إلى معرفة، وقدرة على تجاوز الصعاب، الأمر الذي يستدعي الاستفادة من المحطات الدينية، للغوص في أعماق تلك المحطات، لإخراج الكنوز المعنوية، ”فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه“.
شهر رمضان المبارك يعطي الصائم زخما قويا، بشكل متواصل طوال أيام الصيام، باتجاه تصحيح المسار الحياتي، فالصوم يمهد الطريق نحو التفكير مليا في المسيرة الحياتية، بهدف وضع الممارسات تحت المجهر بشكل دائم، مما يساعد في خلق مناخ ملائم لتغيير بعض السلوكيات الحياتية، ”أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات“، وبالتالي فإن الاستغلال المثالي للشهر الكريم يتجلى في العديد من الأعمال، بحيث تنعكس على الممارسات الخارجية في الوسط الاجتماعي.
وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان.
اللهم: صل على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفظ مما حظرت فيه، وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك.