شهر التوبة 21
مستوى معرفة فضل شهر رمضان المبارك، يحدد طريقة التعاطي والآليات المتبعة، لاستقبال الشهر الكريم، ”قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون“، فالمعرفة تشكل مدخلا أساسيا، في التحرك باتجاه التوظيف المناسب لأيام الشهر الفضيل، فالاستغلال الأمثل لدقائق شهر رمضان المبارك، يكشف حقيقة الادارك الجزئي أو الكلي لهذه الفريضة الإسلامية، خصوصا وأن الفسحة الزمنية للشهر الكريم محدودة للغاية، مما يتطلب إيجاد الآليات المناسبة لإحداث بعض المتغيرات، على طبيعة التفكير تجاه الفسحة الزمنية للفرائض الإسلامية.
اختلاف المعرفة تفسر طريقة التعامل مع شهر رمضان المبارك، فالبعض يتعاطى مع الشهر الكريم بطريقة تقليدية للغاية، بحيث لا تتجاوز المفاهيم الظاهرية لفريضة الصيام، مما يحجم من المردود المعنوي، لشهر الفضيل على الإطار الروحي، وكذلك على الصعيد الشخصي، بينما يحرص البعض على التعاطي بطريقة غير تقليدية، مع ساعات شهر الصيام، بحيث يتجلى في انقلاب البرنامج اليومي، بمجرد دخول الشهر الكريم، بهدف إعطاء هذا الشهر الكريم الأهمية التي يستحقها، ”شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات“.
عامل الزمن يكتسب أهمية بالغة بالنسبة لأصحاب المعرفة، حيث يتحرك العارفون بشكل دقيق، بما يعود على النفس بالخير الكثير، خصوصا وأن عنصر الزمن يلعب دورا كبيرا في إحداث التحولات الحقيقية، في النظرة تجاه الأمور، بمعنى آخر، فإن الإمساك بزمام الأمور في استغلال الدقائق والساعات، يكشف حقيقة النظرة تجاه الحياة، سواء على الإطار الدنيوي أو الأخروي، وبالتالي فإن توظيف عامل الزمن بما يعود بالفائدة على الارتقاء بالذات، يحدث الكثير من المتغيرات في العديد من الأمور الحياتية والاجتماعية، حيث يساعد شهر رمضان المبارك في الاستفادة القصوى من عامل الزمن، نظرا لمحدودية هذه الفسحة الزمنية، فهي لا تتجاوز أياماً قليلة، فضلا عن كونها لا تتكرر سوى مرة واحدة في السنة، مما يتطلب الاستقبال المثالي للتزود بالطاقة الروحية بشكل يومي، بحيث تظهر على أشكال مختلفة مع مضي الأيام.
التعامل بجدية تجاه وقت الفرائض، يعطي الكثير من النتائج على صعيد الحياة العملية، وكذلك ينعكس على الجوانب الروحية، خصوصا وأن المبادرة لأداء تلك الفرائض في أوقاتها، وعدم انتهاج ”اللامبالاة“ تجاه تلك الفرائض على اختلافها، فالتراخي في أداء الفرائض في أوقاتها، يخلق حالة من الاستهتار من جانب، والدخول في دوامة إضاعة الوقت من جانب آخر، وبالتالي فإن الانسجام الكامل مع الأوقات المحددة للفرائض، يعطي دلالة على الحرص على الاستفادة، منها على الصعيد الروحي بالدرجة الأولى، نظرا للآثار المعنوية الناجمة عن الالتزام بالفرائض في أوقاتها، ”حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى“.
التحرك باتجاه الجوانب الروحية خلال شهر رمضان المبارك، يتجلى في الكثير من الأعمال العبادية، حيث لا تقتصر على بعض الأعمال المحددة، ولكنها تتسع لتشمل الكثير من العبادات، سواء تلك التي تعود على صاحبها بالثواب الجزيل، أو الأعمال التي تنشر الخير على الإطار الاجتماعي، خصوصا وأن أيام الشهر الكريم تجري بسرعة فائقة، مما يستدعي مسابقة الزمن لتفادي انقضاء الفسحة الزمنية الرحمانية، دون الحرمان بالتزود بالطاقة الروحانية، وكذلك اكتساب بعض المفاهيم ذات العلاقة بالتكافل الاجتماعي، ”فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم“.
وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان
اللهم: صل على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفظ مما حظرت فيه، وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك.