الاستقرار المالي ومتطلبات الاقتصاد السعودي «4»
صلابة القطاع المصرفي السعودي نابعة من المرتكزات التي قامَ على أساسها، بأن يتحوط ويحصن مواقعه طوال الوقت تحسباً، ولذا نجد أن عبر تاريخه «تأسس العام 1952» استطاع أن يتعامل مع الاهتزازات المحلية أو تلك خارجية المصدر مثل الأزمة المالية الآسيوية العام 1990 أو الأزمة المالية العالمية في العام 2008، وبعد ذلك تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي ككل وتهديد استقراره المالي بما تعرض له لضغوط مُجهِدة غير مسبوقة.
ونجد أن التحوط والتحصين بارزان، وأستشهد بإثنين من أبرز معايير“بازلIII”بوضوح؛ نبدأ بمعيار كفاية رأس المال، لنجد أن المعيار يطلب 8 بالمائة في حين أن قيمته سعودياً تتجاوز 20 بالمائة، والثاني هو معيار نسبة تغطية السيولة، «والتي كانت إحدى عوامل سقوط بنك“سيليكون فالي”حيث قُدِرَت - كما سبقت الإشارة - نهاية العام 2022 بحوالي 75 بالمائة.». حيث أن قيمته للقطاع المصرفي السعودي تتجاوز 174 بالمائة «نهاية العام 2021» في حين أن المطلوب وفقاً للمعيار 100 بالمائة. وما يطمئن فيما يتصل بتوفر السيولة هو أن نمو الودائع باضطراد من 2,128 تريليون ريال إلى 2,302 تريليون ريال خلال عام حتى فبراير 2023.
وعلى صلة بما تقدم، فما زرعته الحكومة السعودية إبان جائحة كورونا من تعزيز ودعم للاقتصاد المحلي عموماً، وإطلاق حزمة من المبادرات للحفاظ على استقرار القطاع المالي إجمالاً، وتوفير السعة والسيولة للقطاع المصرفي على وجه الخصوص، حصدته بارتداد الاقتصاد إلى معدلات نمو إيجابية. ومصرفياً، فكانت محصلة حزمة المبادرات أن اقتراض القطاع الخاص لم يتأثر، بل اضطرد صعوده لنشاط، فقد واصل نموه من 1,663 تريليون في بداية الجائحة «مارس 2020» إلى 2,321 تريليون ريال في شهر فبراير 2023 المنصرم. ومن جهة أخرى نجد أن الودائع النظامية للمؤسسات المالية «وفي مقدمتها البنك» قد تصاعدت قيمة ودائعها لدى البنك المركزي من 119 مليار في بداية العام 2020 إلى 135 مليار ريال في فبراير 2023، وهذا مؤشر مطمئن يعزز استقرار القطاع المصرفي. وتجدر الإشارة إلى أن احتياطات البنك المركزي تتجاوز حالياً 1,7 تريليون ريال.
وهكذا نجد أن الوسيلة الأنجع للتحسب للصدمات هو التحوط وتحصين المواقع، والتحوط يكون بإصرار السلطات المشرفة على تفادي المخاطر العالية، والتحصن يكون بتجاوز الحد الأدنى للمعايير الدولية «بازل III»، فمن تخرصات سقوط البنوك في أمريكا وسويسرا هو طرح السؤال: هل نسبة تغطية السيولة 100 بالمائة ملائمة لاستيعاب الصدمات. سؤال حرج الأهمية، أما الإجابة عليه سعودياً فواضحة تثبتها الدلائل أعلاه.