شهر التوبة 19
يجد الصائم نفسه مدفوعا باتجاه تعميق العلاقة بالخالق، من خلال أداء العديد من الطاعات وزيادة الجرعة العبادية، فشهر رمضان المبارك يحمل روحانية خاصة، بحيث تنعكس بشكل مباشر على السلوك العبادي لدى الصائم، الأمر الذي يفسر الحرص الكبير على أداء الصلوات في أوقاتها ”لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم“، وكذلك تخصيص أوقات محددة لأداء بعض العبادات، سواء في ساعات النهار، أو جزء من الليل.
القيام في شهر رمضان المبارك أحد الطقوس العبادية، التي يحرص الصائمون على الالتزام بها، نظرا للثواب الجزيل الذي ينتظر الصائم، في الحرص على أداء الصلوات المستحبة، ”الصلاة مرضاة الله تعالى“، فهناك العديد من الصلوات المستحبة المخصوصة، في ليالي شهر رمضان المبارك، فهذه الصلوات تلعب دورا كبيرا في تطهير الذات، والعمل على ترويض النفس، بما يعود على الصائم بالخير الكثير، بحيث تنعكس على السلوك الخارجي في التعاملات الاجتماعية، ”إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر“.
لذة القيام في شهر رمضان، لا يعرفها سوى من التزم بتخصيص أوقات محددة، لأداء بعض الركعات في جوف الليل، فهذه النعمة الإلهية ليست متاحة للجميع، حيث تلعب المشاغل الحياتية وحرمان التوفيق الرباني، دورا في سلب هذه النعمة الكبرى، فشهر رمضان المبارك يمثل فرصة كبرى، لزيادة الجرعات العبادية، لتحقيق الهدف الأكبر من الالتزام بمختلف العبادات، وهي ”وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذي فَرَضْتَ صِيامَهُ عَلَيَّ، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضانَ، الَّذي اَنْزَلْتَ فيهِ الْقُرْآنَ، هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانَ، وَجَعَلْتَ فيهِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَجَعَلْتَها خَيْراً مِنْ اَلْفِ شَهْر، فَيا ذَا الْمَنِّ وَلا يُمَنُّ عَلَيْكَ، مُنَّ عَلَيَّ بِفَكاكِ رَقَبَتي مِنَ النّارِ فيمَنْ تَمُنَّ عَلَيْهِ، وَاَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ“، وبالتالي فإن تخصيص برنامج دقيق للقيام في جوف الليل، يساعد كثيرا في تطهير النفس، والسعي لمرضاة الله تعالى، ”في أول ليلة من شهر رمضان يغل المردة من الشياطين، ويغفر في كل ليلة سبعين ألفا“.
طمع الصائم في الفوز بالجنة يحفز على الأعمال العبادية، خلال شهر رمضان المبارك، فالكرم الإلهي في شهر رمضان المبارك يتجاوز بقية أشهر السنة، ”أن أبواب السماء تفتح في أول ليلة من شهر رمضان ولا تغلق إلى آخر ليلة منه“، وبالتالي فإن الصائم مطالب بمزيد من الاجتهاد في العبادات، للاستفادة من العطاء الإلهي الواسع، خلال الشهر الكريم، ”إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم“.
تطهير الذات من الشوائب الدنيوية، ومقاومة المغريات الشيطانية، غايات كبرى يسعى الصائم إلى تحقيقها على الدوام، فالصيام يمهد الطريق لتقوية الإرادة، وعدم الاستسلام للمغريات المادية، وكذلك مقاومة الوساوس الشيطانية، من خلال العزوف عن المحرمات، واجتناب الفواحش على اختلافها، حيث تمثل الصلوات جسرا لتحقيق تلك الغايات الكبرى، وبالتالي فإن الحرص على أداء الصلوات الواجبة، وكذلك الالتزام ببعض الصلوات المستحبة، يساهم في تعزيز الإيمان في النفوس، وتحقيق الانتصار على الذات الشيطانية، والسعي الدائم إلى رضوان الله تعالى، بمعنى آخر، فإن القيام في ليالي شهر رمضان المبارك، أحد العناصر الأساسية في السعي الدائم للتقرب إلى الله، ”رب اجعلني مقيم الصلاة“.
حصيلة الصيام تتجسد في الكثير من الممارسات العبادية، حيث تبرز على أشكال متعددة، بعضها ظاهرة للعيان مثل التواجد الدائم في دور العبادة، والبعض الآخر خافية، مثل الوقوف في آناء الليل للصلاة بشكل دائم، حيث تلعب هذه الطقوس العبادية دورا كبيرا، في تزويد الصائم بالقدرة على مقاومة الإغراءات الشيطانية من جانب، والرغبة في الفوز بالرضوان في دار الجنان من جانب آخر.
وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين إذا دخل شهر رمضان ”الحمد لله الذي حبانا بدينه واختصنا بملته وسبلنا في سبل إحسانه لنسلكها بمنه إلى رضوانه، حمدا يتقبله منا، ويرضى به عنا، والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره رمضان، شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام“.