لماذا خلق الله النفس أمارةً بالسوء
من مكارم أخلاق زين العابدين ”أللَّهُمَّ خُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِي مَا يُخَلِّصُهَا، وَأَبْق لِنَفْسِي مِنْ نَفْسِي مَا يُصْلِحُهَا; فَإنَّ نَفْسِي هَالِكَةٌ أَوْ تَعْصِمَهَا“
لماذا خلق الله النفس أمارةً بالسوء.. ولم يخلُقها أمارةَ بالخير؟؟
إذا لم نصل إلى جواب هذه المسألة فربما لم نعي بعد الغاية من خلقنا ووجودنا، ولم نُمعن النظر في الامتحانات التي تسلُكنا إليها أنفسنا في كل يوم، وبفقرة تسبق هذه من الدعاء يسأل الإمام فيها ربه ”أللَّهُمَّ اسْلُكْ بِيَ الطَّرِيقَةَ الْمُثْلَى، وَاجْعَلْنِي عَلَى مِلَّتِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا“ ويبدو لي بأن الطريق لأن يأخذ الباري بأيدينا إلى الطريقة المُثلى تتأتى من خلال ما وصلنا له من بصيرة بوعينا للسبب الذي خُلقنا من أجله ونجاحنا بالامتحانات الصغير التي نمر بها كل يوم حين تسول لنا أنفسنا من شرورها. واقع الأمر أن الله عز وجل حين سوى النفس ألهمها فجورها وتقواها، وكأنها رسالة موجهة لنا تقول - يا عبدي خلقت لك نفساً ملأى بالهوى وعقلاً راجحاً بميزان الحق والباطل ”من أجل ماذا؟“ - من أجل أن تُفند وتكشف عن الشرور التي تأمرك بها نفسك، وألهمت عقلك التقوى لتنعطف التوجهات الشريرة إلى ما يقابلها من الخير، وذلك ببساطة ما يضمن لك النجاح بهذه الامتحان. الصغيرة.
شِئنا أم أبينا فإن هوانا هو المحرك الرئيس لسلوكنا وقراراتنا، وهو القوي ذو الغلبة على عقولنا التي تدرك الصواب، حيث الهوى لدينا ذو شخصية فوضوية بطبيعته، ووعينا أشبه ما يكون بقيادة سيارة سباق الرالي التي بها شخصين ”شخص الهوى“ و”شخص العقل“ وجمعينا نعتقد خطأً بأن شخص العقل هو من يتولى القيادة بينما الحقيقة أنه يقبع بكرسي مساعد السائق والقائد الحقيقي للمركبة هو شخص الهوى لو تعمقنا بجميع العلوم النفسية وهو شخص طائش مندفع ومجنون بعض الشيء، وعليه فإن أي شخص يفشل بالتحكم في اندفاعاته وهواه فهو يفشل جوهرياً في قيادة مركبته الخاصة، وهو الفشل الذي عادةً ما نطلق عليه ضعف قوة الإرادة والانضباط، وعليه فإن واقع الحال أن الشخص العقل يعي طبيعة الأرض وتضاريسها ويقوم برسم الخرائط ويضع القواعد والمعايير التي يجب أن تسير عليها المركبة ولو هُيءَ له أنه القائد ولكن يظل القرار الحاسم ودفة القيادة لدى شخص الهوى.
عمق التفكير الذي نتحدث عنه هو حين يكون لشخص العقل القدرة على تحليل سلوك وتصرفات شخص الهوى، والنجاح في ترويضه للامتثال واتباع قراراته التي لا تتأتى إلا حينما تكون هنالك لغة حوار وتفاهم بين الاثنين.. على سبيل المثال - يشاور شخص العقل صاحبه بأن عليك النهوض من فراشك الساعة الثالثة لأداء فرض الفجر بوقته.. يجيب شخص الهوى: يا لصعوبة هذا فبالكاد خلدت للنوم بساعةٍ متأخرة ولن أقوى على النهوض بهذا الوقت.. الشخص العقل: لا بأس لنجعلها الساعة الرابعة قبل مطلع الشمس.. فيجيبه شخص الهوى بالموافقة... عليه فإن الطريقة الصحيحة لامتثال الهواى لأوامر العقل هيَ نجعل بينهم مودة وصحبة لا أن نخلق بينهما المشاحنة والعداوة.
وترجمة ما يسأل الإمام ربه بالدعاء - أن يا رب خلصني مما يُزين ويميل قلبي إلى الخطأ.. وأجعل ميل الهواء عندي أقوى إلى الصواب والصلاح.. فإن نفسي أقوى مني وتقودني إلى الهلكة.. إن لم تُعنّي على إلجامها ووترويضها لما يرضيك.