عندما يغيب عماد الأسرة!
لا تكاد تخلو عائلة أو قبيلة من شخصٍ يكون عمادًا لها؛ يذهبون إليه في حل مشاكلهم والفصل في خصوماتهم، هو العقل والمرشد والمعيل والمعين في كل الأمور. لذلك قيل عن الكبير الذي يحمل هذه الصفة والمسؤولية أنه ”رب الأسرة“، وإن شاركه آخرون في ذلك إلا أنه العمد الأول. هذه المقدمة لأقول شيئين:
الأول: إذا استطعت أخي الكريم - وأختي الكريمة - أن تكون ذلك الشخص الكبير المقام ذو العقل الراجح فكن، لا تفرط فيه. من دواعي الأسف أن أناسًا كثيرون يحصلون على هذه الفرصة في قيادة العائلة والأسرة ويركلون هذه الفرصة الثمينة بأقدامهم، ثم ماذا يحصل؟ تفقد العائلة ربها وربانها وتتيه في بحار الحياة الواسعة. القارئ الكريم والقارئة الكريمة يرى ويلاحظ آثار غياب هذه الرؤوس العاقلة في بعض الأسر وما ينتج عن ذلك من مآسٍ كبيرة! يحول حال الأسرة إلى ما يشبه الشياه التائهة في ليلةٍ شاتية.
الثاني: أن في مثل هذه الأيام بين التاسع عشر والحادي والعشرين من شهر رمضان، سنة 40 هجرة، رحل عماد أسرة عظيم، ألا وهو الإمام علي بن أبي طالب . كان مرشدًا للدولة آنذاك وللمجتمع، وكان خير ربّ أسرة عرفه أهله. أنا مدرك أن هناك من يسأل: أليس من الجحود، كتابة بضعة أسطر لا غير عن الإمام علي ؟ بلى، ولكنه تذكير للقراء الأعزاء بهذه المناسبة ودعوة للتوسع في التعرف على هذه الشخصية، ليس من وسائل التواصل الاجتماعي، إنما من الكتب الراقية ومما تركته هذه الشخصية من آثار مكتوبة من الأقوال والأفعال!
كان إمامًا وقائدًا لأمة ومع ذلك كان في وقته سعة ليعتني بشؤون أسرته ويكد على عياله ولا يتركهم عالة على غيره من الناس. أيم الله، كان مهتمًّا بصلاح أسرته ومن حوله. يذكر التاريخ أنه لما كان يفرغ من الجهاد يتفرغ لتعليم الناس، والقضاء بينهم، فإذا فرغ من ذلك اشتغلَ في حائطٍ له يعمل فيه بيده وهو مع ذلك ذاكر الله جل جلاله.
إن الساعة التي يهتز فيها عماد ووتد الأسرة تكون ساعة حزن وكآبة. كيف إذا كان العماد كبيرًا في كل المعاني والاتجاهات ويتعدى حدود الأسرة والمحيط؟ لا بد أنه يترك فراغًا بحجم الوجود الذي انزاح عنه حتى يملأ من بعده ذلك الفراغ. كان هذا العمد واثقًا من نفسه حتى آخر نفس عندما قال ثلاث كلماتٍ بصوت جهوري سجلها التاريخ: ”فزتُ وربّ الكعبة“. ثلاث كلمات قالها فجر التاسع عشر من شهر رمضان حتى إذا جاء اليوم الحادي والعشرون من الشهر انطفأ مصباحٌ زاهر لم يعرف التاريخُ نظيرًا له!