شهر التوبة 18
يمتلك شهر الصيام قدرة مغناطيسية على توجيه الصائم، نحو الطهارة المادية والمعنوية، حيث يحرص الصائم على القيام بالأعمال الحسنة، وتجنب مختلف أشكال الممارسات المشبوهة، باعتباره جزءا أساسيا من متطلبات فريضة الصيام، الأمر الذي يفسر الانقلابات الكبرى في السلوكيات الشخصية لدى بعض الأفراد، مما يمهد الطريق أمام لإجراء مراجعة كاملة للسلوكيات الخارجية، مما ينعكس على إزالة جميع المشاكل، وإعادة رسم العلاقات الاجتماعية بطريقة مختلفة للغاية.
وإزالة الشوائب العالقة على السلوكيات الخارجية للصائم، تترجم بالكثير من الأعمال، والعديد من الممارسات، فهي لا تنفصل عن طبيعة التفكير الشخصي، فالصوم يحدث تغييرات واضحة في السلوك الخارجي، فيما يتعلق بالمحيط الأسرى وكذلك البيئة الاجتماعية بشكل عام، حيث تبدأ المتغيرات الشخصية بإجراء تحولات حقيقية في طريقة التعاملات، وكذلك في الآليات المتبعة في التعاطي مع الاستفزازات الاجتماعية، خصوصا وأن ترويض الذات عملية أساسية، في الارتقاء نحو السمو على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فإن الابتعاد عن المشاكل، وتفادي الاستفزازات على اختلافها، تساعد في إزالة العديد من الشوائب المتراكمة في النفس، جراء بعض الممارسات الشاذة على الصعيد الاجتماعي.
فريضة الصوم ممارسة عملية على ترويض النفس، على ضبط الأعصاب، ومحاولة اتخاذ الوسائل السلمية، في معالجة الإشكالات على اختلافها، فالصائم يتجنب الدخول في مناوشات أو صراعات شخصية، خصوصا وأن الصيام يحث على تحسين الخلق، ويدفع باتجاه إعادة ترتيب الأولويات، بما يصب في خانة تطهير الذات، والابتعاد عن مواطن الخطأ قدر الإمكان، الأمر الذي يفسر اعتماد سياسة التجاهل في كثير من الاستفزازات الشخصية، فهناك أفراد يمتلكون القدرة على ضبط النفس في جميع الأوقات، بينما يفشل أفراد آخرون في امتحانات الاستفزازات، الأمر الذي يتسبب في نشوب الكثير من المشاكل، وبالتالي فإن الدورة الرمضانية قادرة على تحريك الجوانب الإيجابية، في السلوك الأخلاقي لدى العديد من الأفراد، بحيث تترجم على ممارسات متعددة، تعود في النهاية على الصائم بالخير الكثير.
الوصول إلى الأخلاق الحسنة، يتطلب الكثير من الصبر، وتحمل الكثير من الاعتداءات، خصوصا وأن متطلبات الحياة تفرض الاحتكاك المباشر، مع مختلف الطبقات الاجتماعية، مما يتسبب في ارتكاب بعض الأخطاء، وبالتالي فإن المرء معرض للعديد من الامتحانات الحياتية، بحيث تخلق حالة من الصراع، بين الإصرار على ضبط النفس، وإظهار الوجه الحسن، والاستجابة لتلك الامتحانات الصعبة، والانخراط في معارك كلامية وجسدية مع الأطراف الأخرى، بمعنى آخر، فإن القدرة على تحمل الاعتداءات بمختلف أشكالها، عنصر أساسي في مواصلة مشوار العطاء الإيجابي، على الصعيد الشخصي والاجتماعي، خصوصا وأن البيئة الاجتماعية تمثل الاختبار الحقيقي، لإظهار الجوانب الحسنة لمختلف الفئات الاجتماعية، فهناك شرائح ترتقي سلم الاحترام بشكل متواصل، جراء امتلاكها القيم الأخلاقية، والقدرة على التعاطي مع الإشكالات بطريقة راقية، فيما توجد شرائح تسقط في الهاوية جراء انتهاج سلوك الاعتداءات، واستخدام العنف وسيلة في معالجة المشاكل على اختلافها.
الاختبار الحقيقي للصائم يتمثل في الإصرار، على الامتثال للقيم الأخلاقية، وعدم التنازل عنها على الإطلاق، فالمكاسب الكبرى التي حققها خلال شهر الصيام، تستدعي التمسك بها وعدم التفريط بها، خصوصا وأن الصائم خلال أداء الفريضة الإسلامية يعمد لاتخاذ الوسائل المتعددة، لتجنب ما يخدش هذه الفريضة الإسلامية، وبالتالي فإن التخلي عن تلك المكاسب يمثل خسارة كبرى، على الصعيد الشخصي أولا، والاجتماعي ثانيا.
وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان
الحمد لله: الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين.
والحمد لله: الذي حبانا بدينه، واختصنا بملته، وسبلنا في سبل إحسانه، لنسلكها بمنه إلى رضوانه، حمدا يتقبله منا، ويرضى به عنا.
والحمد لله: الذي جعل من تلك السبل شهره.
شهر رمضان: شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان.