عقول للإيجار
من مكارم أخلاق زين العابدين ”أللهم ولا تبتليني بالكسل عن عبادتك ولا العمى عن سبيلك ولا بالتعرض لخلاف محبتك، ولا مجامعة من تفرق عنك، ولا مفارقة من اجتمع إليك“
أي امتحان صعب هذا! وهل بما نحن عليه اليوم أبصرنا سبيل الحق أم عمينا عنه، وهل العمى كان مقدرا علينا أم ولا ريب أننا اخترناه بمحض إرادتنا وعليه أصبحنا متعرضين لما هو خلاف محبة خالقنا وهل يا ترى قادنا ذلك لأن نكون مكروهين منبوذين عنده - عز وجل -... حقيقة الأمر أنه مخيف حقا!، خلقنا الله ووهبنا ما لم تستطع الجبال حمله وهو هبة العقل فأصبحنا قادرين بكل تجرد واستقلالية وضع على المسائل على ميزان الحق والباطل بأنفسنا، ولكننا قمنا بتأجير عقولنا للغير وتمذهبنا مع من يحلو لنا بجميع جوانب حياتنا، تمذهبنا دينيا وعلميا واجتماعيا واقتصاديا وحتى ترفيهيا، ولا أعراض هذا بل بالعكس التمذهب شيء حسن ولكن بين هلالين ”بعيدا عن التعصب والتحجر“ وإذا لم أكن مخطئا لعل التمذهب في شأن ما يعتبر هو النافذة التي يمر من خلالها قوله عز وجل: ﴿وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا﴾ حيث إن تعمقنا فيما تمذهبنا فيه سيصبح هو المنظار الذي من خلاله نستطيع رؤية عمق المذاهب الأخرى وبالتالي وبعيدا عن التعصب يخول لنا إعادة تقييم المعايير والقناعات التي تبنيناها طويلا لنلوي أعناق قيمنا إلى اتجاهات أكثر صحة من واقع تحليلنا وميزاننا الخاص، فعلى سبيل المثال تمذهبي عميقا مع مدرسة أرباب الإيجابية والتوكيدات اليومية فتح بصيرتي بأفق أوسع على المذاهب الواقعية المعارضة الأخرى... حتى وصلت إلى نتيجة خاصة بي إن حقيقة الأمر مجانب للصحة بالوسطية بين المذهبين.
يأخذني هذا المقطع من الدعاء إلى حديث - ”ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة“! ولست من المتخصصين بالحديث وعلوم الرجال، ولكنني استطرد طويلا في لطف ورحمة الباري على عباده - هل يعقل أن يكون ذلك صحيحا؟ هل يحاسب الله العباد جماعات أم فرادا؟ هل نكون مسؤولين عن قيمنا ومعتقداتنا، سلوكنا وأفعالنا الشخصية أم أن الحساب يكون على عاتق الجماعة التي تمذهبنا إليها؟ حاشا لجلال وجهه الكريم أن يكون ظالما، ولكن على ما يبدو أننا اجتمعنا بمن تفرق عنه أو تفرقنا عمن اجتمع إليه وذلك بملء إرادتنا ويرجع إلى ميزان عقولنا التي ربيناها وطوعناها إما على التعصب أم على التقبل، فلا يعقل أبدا أكون منتجبا خيرا صحيحا لمجرد انتمائي لفرقة ما ولمجرد ظني أنهم الفرقة الناجية حتى وأنا أرى القبح والشرور في بعض أعمالهم.
إن صح هذا الحديث فالله ورسوله أعلم بمغزاه، ولكن واقع الحال أننا كمسلمين بمختلف مذاهبنا وطوائفنا أصبحنا نطوع تعاليم الدين ونركز على ما يحلو لنا منها بما يخدم مصالحنا الشخصية والدنيوية، نستخدمها في سحر وغسيل عقول البسطاء المساكين، وإلا لما تأججت التكتلات والشللية ولما تفرقنا ثلاث وسبعون فرقة ولما أصبحنا نتناحر فيما بيننا على سفاسف وقشور لا مغزى ولا عمق لقيمتها، فهل يا ترى تلبية حاجاتنا الاجتماعية بمثلث ماسلو أخذتنا ودون شعور منا إلى أن نكون متأثرين منقادين انقياد الماعز للقطيع، وعليها يكون السؤال الصعب هل أدينا أمانة العقل التي إئتمننا خالقنا عليها؟