شهر التوبة 16
الافاضات الإلهية الكثيرة تخرس الالسن عن القدرة الشكر، بما ينبغي لله سبحانه وتعالى، ”تمام الشكر اعتراف لسان السر خاضعا لله تعالى بالعجز عن بلوغ أدنى شكره، لأن التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها“، فالتمتع بالصحة والعافية لاداء الواجبات نعمة كبرى، حيث تمثل الهداية على الطريق المستقيم احدى الافاضات الربانية التي ينعم بها المسلم، مما يجعله مطوقا من كل الجوانب التوفيق الإلهي، فكل حركة باتجاه الهداية وكل خطوة نحو التقرب إلى الله، تستدعي الشكر والحمد لله، ”من شكر النعم بجنانه استحق المزيد قبل أن يظهر على لسانه“.
السير في سبل الخير والاحسان لا يقتصر على طريقة واحدة، فطرق الاحسان متعددة وكثيرة للغاية، حيث يعتبر كل عمل يصب في خانة الخير ضمن طرق الاحسان، فتارة يكون الاحسان بواسطة البذل، والعطاء المادي على الفقراء أو الجهات الخيرية، وتارة أخرى تكون الكلمة الطيبة وسيلة لنشر الاحسان في النفوس، وبالتالي فان اختيار سبل الاحسان مرهون بالامكانيات، والقدرات المتوافرة لدى الانسان، بما يعود عليه بالخير الكثير، وعلى البيئة الاجتماعية بمزيد التكافل على المستويات المتعددة، لاسيما وان الشعور الذاتي بالتحرك في مجالات الاحسان، ينمي ظاهرة العطاء في النفوس، ونشر الخير في الثقافة الاجتماعية.
امتلاك زمام الاحسان ومواصلة طريق الخير حتى النهاية، غاية كبرى لدى المسلم، خصوصا وان انتهاج سبل الخير يعزز حالة الارتباط الوثيق بالخالق، وكذلك ينمي الحرص على الإخلاص في النية، بعيدا عن الرئاء، بالإضافة لذلك، فان طريق الاحسان يعزز الرضا الذاتي لدى الانسان، من خلال الإحساس بتقديم ما يخدم النفس في الاخرة، ومساعدة الفئات المحتاجة، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على طريقة النظرة للحياة، فعوضا من التحرك لتكريس الانانية في الذات، فان سبل الاحسان تساعد في احداث تحولات ثقافية تجاه النظرة للحياة، وبالتالي فان الاحسان يخلق احاسيس مرهفة، تنعكس بصورة مباشرة على السلوكيات الخارجية، وقبلها على الممارسات الذاتية.
الرغبة في السير في طرق الاحسان خطوة أساسية، في عملية الاختيار الصائب، بيد ان الرغبة لوحدها ليست كافية للدخول في نادي الاحسان، فالتوفيق الإلهي شرط لازم امتلاك هذه الصفة الأخلاقية،، حيث يشكل التوكل على الله مطلبا أساسيا في كل حركات المسلم، ”وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ“، فالتوكل احد المحركات الأساسية للشروع في سبل الخير، كما ان الحرمان من التوفيق الإلهي يعني الضياع، والتخبط وعدم القدرة على ممارسة اعمال الخير في شتى المجالات.
شهر رمضان يشكل نافذة واسعة للانخراط في سبل الاحسان، فعبادة الصيام تحث على تنمية سبل الخير في الذات، مما ينعكس على صور متعددة، بعضها ذات علاقة بمستوى العبادات على الصعيد الشخصي، والاخر مرتبط بتخصيص موارد مالية، وأوقات محددة لتقديم العون، والمساعدة على الصعيد الاجتماعي، الامر الذي يحرك النفوس باتجاه العطاء، والاستمرار في الاحسان بشتى طرقه، بمعنى اخر، فان عطاءات شهر رمضان الكثيرة قادرة على تقليص حب الذات، واستبدالها بنشر المحبة والخير للعديد من الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يفسر تزايد ظاهرة البذل والعطاء، خلال الشهر الفضيل.
القدرة على الاستفادة من شهر رمضان المبارك، عنصر أساسي في عملية السير في طريق الاحسان، والسيطرة على النفس الامارة بالسوء، فالامساك عن الطعام والشراب لساعات طويلة، يدفع باتجاه الإحساس بالفقراء، وبالتالي محاولة تخفيف جزء من المعاناة التي يكابدها الفقراء، سواء من خلال المساعدة المادية أو المعنوية، فالصائم يمتلك الخيارات المتعددة لتحديد الأساليب المناسبة، لتعزيز ثقافة الاحسان في البيئة الاجتماعية.
وَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السَّجَّادُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ
الْحَمْدُ للهِ: الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، لِنَكُونَ لاحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى ذلِكَ جَزَآءَ الْمُحْسِنِينَ.
وَالْحَمْدُ للهِ: الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ، وَاخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ، وَسَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إحْسَانِهِ، لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إلَى رِضْوَانِهِ، حَمْدَاً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا، وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا.