أبي ظلمني فهل رضاه يدخلني الجنة؟
قالت: من صغرى وأمي هي المتكفلة بتربيتي ومصاريفي وتعليمي، أما أبي فلا يعرف عني شيء ولا يهتم بي ودائما مشغول بسفراته وسهراته مع أصدقائه فحياته كلها ترفيه وتسليه وارتكاب المحرمات، وعندما أكلمه أو أطلب منه طلب يعاملني بعنف وظلم ويقول لي أذهبي لأمك حتى تحل مشاكلك، وأمي صابرة محتسبة من أجلي أنا وأخواتي، والآن صار عمرى 28 سنة وأشعر بكره شديد تجاه والدي وبودي أن أدعوا عليه بالموت والمرض والحرمان كما حرمني عاطفة الأبوة، ومن شدة كرهي له فإني أهرب من الحديث معه والنظر إليه عندما يأتي للبيت ثم قالت والدمعة تنزل من عينيها: فهل يحاسبني الله على مشاعر الكره تجاه أبي؟
قلت: إن بر الوالدين من أفضل الأعمال لله وأقربها إلى الجنة، فقاطعتني قائلة: وهل رضي الأب يدخل الجنة؟ قلت لها: نعم بكل تأكيد فكما أن هناك أحاديث كثيرة تبين أن رضي الله من رضا الوالدين، وأن بر الوالدين أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة، فكذلك هناك أحاديث تبين أن بر الأب يدخل الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب من سخط الوالد»، فحتى لو كان أبوك ظالما ومقصرا تجاهك فعليك بره، لأن البر واجب على الأبناء أما تقصير الأب وإهماله وظلمه فالله يحاسبه على ذلك
قالت: ولكن مشاعر الكراهية في قلبي كبيرة فهل يحاسبني الله عليها؟ قلت: طالما أن الكراهية موجودة في داخل قلبك وهي عبارة عن مشاعر من غير أن تتصرفي أي تصرف سيء تجاه والدك أو تعامليه بقسوة أو تتلفظين عليه بألفاظ نابية فلا حرج عليك، لأن مشاعرك لم تتحول إلي سلوك وإنما هي في نفسك، أما لو ظهرت بسلوك أو تصرف ولم تخفيها ففي هذه الحالة تكون دخلت في دائرة العقوق
قالت: طيب وهل يحق لي أن أدعوا على أبي؟ لأني أشعر بحب الانتقام منه وأريح نفسي بالدعاء عليه بأن الله يهلكه ويميته حتى نرتاح من ظلمه، قلت: أما الدعاء على الأب فهذا من العقوق ولو كان ظالما، ولكن ممكن تدعين بأن الله يهديه، أو تقولي اللهم اكفنا شره أو حسبنا الله ونعم الوكيل فيكون الله هو حسبه وهذا النوع من الأدعية العامة لا بأس بها، أما الدعاء الخاص بهلاكه أو موته أو أصابته بأي ضرر في نفسه أو ماله أو صحته فهذا من العقوق،
قالت: لماذا كل هذه الحماية له هل لأنه أب فقط؟ قلت: لا هذه ليست حماية، وإنما تأدب في التعامل مع الأب لأن الله أوصاني ببر الوالدين، أما لو أبوك ظلمك أو قصر في حقوقك فهناك طريقتين لحل المشكلة: الحل الأول اللجوء للقضاء لحمايتك وأخذ حقك من أبيك، والحل الثاني أن تفوضي أمرك لله والله يتكفل بمحاسبته، لأن منزلة الوالدين كبيرة وعظيمة والبر مطلوب حتى قال قال بعض التابعين: «من دعا لأبويه في كل يوم خمس مرات، فقد أدى حقهما، لأن الله تعالى قال: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ ، فشكر الله تعالى أن يصلي في كل يوم خمس مرات، وكذلك شكر الوالدين؛ أن يدعو لهما في كل يوم خمس مرات، فالالتزام ببر الأب لا يعني أن تسكتي على ظلمه لك وإنما يمكنك أخذ حقك منه قانونا أو بالتدخل العائلي، وانتهى الحوار واللقاء