آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

هل أنت صادق؟

عصام المرهون

من مكارم أخلاق زين العابدين ”أللهم وحلني بترك التعبير والافضال على غير المستحق والقول بالحق وإن عز واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي، واستكثار الشر وإن قل من قولي وفعلي، وأكمل ذلك لي بدوام الطاعة ولزوم الجماعة ورفض أهل البدع ومستعمل الرأي المخترع“

الفضل والفضيلة عكس النقص والنقيصة، والتعبير بما هو غير مستحق أصبح تطبعا فينا بحياتنا المعاصرة حيث القنوات الإعلامية ووسائل التواصل عزز في سلوكنا تضخيم خصال ومزايا فينا ربما نعتقد أنها حميدة حتى أصبحنا نتقن التضخيم في وصف أي موقف نمر به سلبا كان أو إيجابا، عقولنا اللاواعية أصبحت مبرمجة باحترافية عالية على إعطاء كل شيء حولنا أكبر من حجمه الطبيعي وابتعدنا كل البعد البساطة والتبسيط والتعبير عن جميع الصفات والأحداث بحجمها الحقيقي.

وعكس ذلك على سلوكنا حتى أصبح أصدق ما ننعت به أنفسنا هو الكذب كما وصفة الدكتور مصطفى محمود حيث يقول: ”الكهل الذي يسرح شعره خنافس ليبدو أصغر من سنه يكذب، والمرأة العجوز التي تصبغ شعرها لتبدو أصغر من سنها تكذب، والباروكة على رأس الأصلع كذبة، وطقم الأسنان في فم الأهتم كذبة، والبدلة السبور الخفيفة التي تخفي تحتها فانيلة صوف كذبة، والكورسيه والمشدات حول البطن المترهل كذبة، والنهد الكاوتشوك على الصدر المنهك من الرضاع كذبة، والمكياج الذي يحاول صاحبه أن يخفى به التجاعيد هو نوع آخر من الكذب الصامت“.

أصبحنا بعيدين حقا عن الأشخاص الذين يمتلكون الشجاعة بالوقوف وقفة صدق مع أنفسهم والاعتراف بالخطأ في أقوالهم وأفعالهم، أو كما عبر الأمام بتصنيف أفعالهم بأنها من الشرور الذي تقع على الآخرين فتؤذيهم، ويعي بأن ذلك يحمله وزرا وتبعة من تبعات العباد. فضلا عن الشجاعة التي يتحلون بها في النظر إلى عمل الشر ذلك بأنه جرم كبير مهما صغر حجمه - ولو تمثل ذلك في قتل نملة، والنظر إلى قلة الخير والعمل الحسن وإن كثر وزاد حجمه ووزنه - ولو وصل ذلك إلى التبرع بكل ما يملكون.

كيف لنا من رفع مستوى معرفتنا لدواتنا، وأن تفتح بصيرتنا على شخصية الخير وشخصية الشر التي بداخلنا وكأنها تتجسد بالفعل أمام أعيننا، كما كنا نشاهدها صغارا بأفلام الكرتون، ونوقن الحق مع ذلك الملاك الأزرق فنتبعه، والشر مع ذلك الشيطان الأحمر فنجتنبه.

أصبحنا في زمن انفتحنا فيه على عالم يعج بالاختلافات وكثرة الطوائف والملل، وتعددت فيه الآراء والقناعات والقيم والمدارس... في زمن اختلطت فيه كل الأوراق، ولم يعد باستطاعتنا يقينا أن نفرق بين الخير والشر، وإن صدق وكنا من أهل الطاعة وأصبحنا ممن قولهم الحق وابتعدنا عن التعبير بغير المستحق «وأنا أشك في ذلك» سنكون غالبا من الفئة التي لم ترفض إتباع أو التأثر بآخرين والذين في الأغلب الأعم أنهم من فئة أهل البدع ومستعمل الرأي المخترع دون أن نعي ذلك.