آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 9:28 م

الكرة الضائعة

عبد الله الناصر

لم يكد شعاع الفجر تظهر أول أنواره في أفق السماء، حتى نهض من فراشه. لم تنم أفكاره طيلة الليل تتطاير به نحو الأماكن والخيالات.

رفع دعواته بعد صلاته، ليكون التوفيق نصيبه هذا اليوم، فهو على أعتاب تحدٍّ جديد لنفسه، ستحسم نتائجه بعد سويعات من هذا اليوم. كان البيت ساكناً، بحث عن والدته حتى وجدها في وسط المطبخ، ودعها بعد أن تذوقت أذنيه جمال دعواتها له بالنجاح والسداد.

بدأ يستعجل الوقت لكي يصل إلى مكانه المعتاد، إلى مركز قوته وتركيزه، وتفريغ كل طاقاته في المكان الذي رسم أحلامه وأمنياته على شباكه. أخرج من حقيبته مضربه الثمين فهو أعز أصدقائه، فلطالما شاركه متعة النصر وألم الخسارة، وهو على يقين أنهُ اليوم سيسجل معه أجمل الأهداف والانتصارات.

قرر أن يتدرب قليلاً قبل مباراته النهائية، ليمهد جسده الذي سيحتاج منه كل لياقته ومرونته أثناء اللعب، حتى بدأت أضواء الملعب بالتألق معلنة بدء نهائي ”قولدن بادل الرمضانية“ لم تكسر المقاعد شبه الفارغة في الملعب عزيمته، فهذا المنظر غير جديد لناظريه، لذلك كان يوجه عينيه للكأس الذي يطمح له، هكذا أراد وهذا ما حصل، نجح ”أحمد آل سنان“ بالفوز باللقب ونيل المركز الأول وكان يستحقها بكل جدارة.

عاد إلى البيت، حاملاً بيديه كأساً ثمينا، هو حصيلة كل قطرة عرق كانت بجسده الذي لم يتوقف عن الحراك إلا بعد أن حقق مراده، نقل البشرى لوالديه، أخواته، لتحيطه التبريكات منهم، ويرى نظرات الفخر منهم، هنا لا ميزان لسعادته، رتب مكانا خاصا للكأس بين مجموعة كؤوس أخرى سجل اسمه في أوساطها بالمركز الأول.

أنا اليوم أخص بمقالي هذا وأوجهه لفتى عرفته عن قرب، ”أحمد“ شاب عشريني، كباقي الشباب، لكنه تميز بقوة إرادته، وسمو عزيمته، لم تخذله شجاعته في أن يترجم حبه وشغفه للعبة ”البادل الرياضية“ التي يجهل الكثير منا ما هي، منذ صغره وهو عاشق لها، سقط بالمعوقات ونهض وواصل طريقه دون الالتفات للخلف، لم يشد المجتمع على يديه، لم يؤمن بموهبته إلا القلة.

مجتمع يربط التفوق والموهبة بمقاييس الدرجات والشهادات والدراسات، لن يرى نور الموهبة بشاب صغير يهوى لعبة غير مشهورة، لكن أحمد تجاوز المرحلة الأولى وواجهها بصعوبة حتى ترك بصمته، ليجبر المجتمع من الخروج من هذا الإطار، وبدأ ينهض من الأوجام ويخطو بخطوات أوسع ليذكر اسمه في محافل القطيف والدمام والمنطقة الشرقية.

خطواته الجريئة، انخراطه في ما يحب، وتعبه المتواصل، أثمر ينابيع من الإنجازات والبطولات على كثير من الأصعدة، وخلال زمن قصير توسع نشاطه لينضم إلى الأندية، ليثبت للمجتمع أن الموهبة لا تعرف حدًّا ولا مقياساً ولا مجالاً، ولولا هذا ما كان أحد انتبه إليه...

في ظل الصراع الفكري والغربي الموجه إلى أبنائنا، والذي غير عقولهم نحو الكماليات، بعيدا عن الاجتهاد والتحديات، تاه الكثير منهم، لكن قلة من بقت تسير سفنهم رغم أمواج المجتمع الغربي، في محاولة للوصول إلى ميناء أحلامهم.

حان الوقت لنضع أصابعنا حول أماكن تقصيرنا، وأولها الالتفات لهذه الفئات الشبابية التي غفل المجتمع عن دعمهم ومساندتهم، أحمد ما هو إلا صورة من صور المجتمع وأنموذج من واقع حياتنا، يؤسفنا أننا لم نسلط الضوء عليه، كما يخجلنا أننا لم نلتفت للكثير من الموهوبين المخفيين بيننا، بسبب تركيزنا على اتجاه واحد في مفهوم الإبداع والموهبة.

ولأننا نجهل قيمة الأمور لا نستطيع تثمينها، فتى ناهض ليضع اسم المملكة في المراكز العليا بإذن الله برياضة البادل المميزة، لا ترى أخبار إنجازاته وبطولاته تكتب بمواقعنا، ولا ترسل بوسائل التواصل الاجتماعي بقريتنا، ولا تنشر صوره في صفحات جرائدنا، أعتقد أن الوقت حان لنعطي باقي الرياضات حقها بدل التركيز على كرة القدم وغيرها فقط، حان الوقت لنفخر بأبنائنا أن ندعمهم ونتابعهم كما نتابع المؤثرين الاجتماعيين هذا اليوم.

إن الاهتمام بالكفاءات والموهوبين المخفيين هو هدف عباراتي هذه، ولأني أؤمن أن الكلام يقوى عندما يجسد بشخصيات، اخترت أحمد بطل مقالي، أحمد الذي يمسك بمهارة بكرة لكنها ”كرة ضائعة“ بأعين المجتمع...

أتمنى من أي شخص يقرأ المقال ويرى نفسه بطلاً أيضا بمهارات مختلفة، أو شخص مر من حوله أبطال مخفين، أن يدركوا أن هذا المجتمع ما زال يملك الكثير من الأشخاص الذين يثمنون قدراتهم ومواهبهم وعليهم المواصلة باجتهاداتهم إلى أن يصل اسمهم بكل بيت بمملكتنا.

هؤلاء الشباب لم ولن يكونوا يوماً بكل جهودهم إلا لرفع راية هذا الوطن، سيكون هناك فرق شاسع بقوتهم لو أننا كنا السند لهم والفخر. لذا علينا أن نعيد بناء الطرق ليسيروا بها، بجهاز إعلامي يواكب كل تطوراتهم وإنجازاتهم.

أحمد اليوم هو منار لطفل آخر قد لا يرى موهبته اليوم أحد أيضا لكننا إذا اجتهدنا وأنرنا الدروب لهم سنختصر عليهم الوقت والمسافات فلا دعم أقوى من دعم أبناء القرية والوطن.

همسة بأذن أحمد... حان الوقت لنكن نحن رفقاء رحلتك نشاركك انتصاراتك ونعينك في معوقاتك بدل مضربك...

همسة بأذن أبناء قريتي... يمكنكم أن تشبوا وتكونوا ما ترغبون في كونه، مهما كان مختلفا ونادرا ما تطمحون له، حاولوا أن تصلوا إليه بما أوتيتم من قوة، طاردوا أحلامكم لأنكم فقط أنتم من ستتمكنون من الوصول إليها ونحن سوف نساعدكم على التقدم وسنؤمن بكم دوماً...

همسة بأذن مجتمعي... ابتسامة... عطف... تشجيع... نشر... إهداء... تصوير... كلمة طيبة قد تكون فارقا كبيرا بدعم موهوبينا وتقويتهم فكونوا خير معين وإخوة لهم...

نحن اليوم نملك بذورا قوية زرعت بأرضنا، علينا الحرص على الاعتناء بها فهذه البذور تثمر أشجارا قوية جذورها متأصلة بأرض الوطن، أفضل بكثير من شجر من الخارج يزرع بيننا دون جذور وأنا على يقين أن الأوجام مصدر الكثير من تلك البذور التي ثمارها ستعم كل المملكة بإذن الله. وعندها سيدرك أحمد أن كرته ليست ضائعة...

حساب أحمد آل سنان على الإنستغرام

https://instagram.com/ahmedrf18