آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

شهر التوبة 14

محمد أحمد التاروتي *

المعرفة محرك أساسي في تحديد الاتجاهات الصحيحة لجميع الخطوات، سواء كانت تلك الخطوات ذات أبعاد عبادية أو مصالح دنيوية، فالافتقار إلى المعرفة يحرم الإنسان من توجيه البوصلة نحو الهدف بدقة متناهية، الأمر الذي يتسبب في التخبط والانتقال بين المحطات دون القدرة للوصول إلى خط النهاية، خصوصا وان المخزون المعرفي بمثابة الوقود الذي يدفع باتجاه الاختيار المناسب، بعيدا عن الخطوات الانفعالية أو القرارات الارتجالية، ”يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة“.

انعدام الجانب المعرفي يحجب الرؤية السليمة في الكثير من الأشياء، فالانكشاف على حقائق الأمور على اختلافها سواء كانت أخروية أو دنيوية، عنصر أساسي في وضع الأمور في المكان المناسب، الأمر الذي يقلل من القرارات الخاطئة، أو الركض وراء السراب دون جدوى، خصوصا وان المعرفة تمثل الشمعة التي تفتح الطريق أمام المرء للرؤية السليمة، مما يسهم في اختصار الكثير من الخطوات، وتقليل الكثير من الجهود، لا سيما وان الجانب المعرفي يعطي الإنسان ميزة مغايرة عن بقية الأشخاص، ”قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون“.

الاختلاف في الجوانب المعرفة، وتباين مستويات القابلية المعرفة، لدى البشر، يفسر الكثير من القرارات والعديد من التوجهات، وأحيانا عديدة النجاحات على المستوى الشخصي، وكذلك على الإطار الاجتماعي، ”ليس للإنسان إلا ما سعى“، وبالتالي فإن وضع البشر عند مستوى معرفي واحد ليس ممكنا على الإطلاق، خصوصا وان الاهتمامات المعرفة تتعدد، وتختلف تبعا لطبيعة التفكير، وأحيانا نتيجة البيئة الأسرية والاجتماعية، الأمر الذي يفسر الاختلافات المعرفية والقدرات الاستيعابية لدى الأشخاص، فهناك أفراد يمتلكون مخزونا معرفيا قادرا على تحريك الأمور، في مختلف الاتجاهات بطريقة سلسلة وغير مرتبكة، بينما يواجه بعض الأشخاص مشاكل في توظيف الجوانب المعرفية بالطريقة المناسبة، نتيجة الآليات المستخدمة في الاستفادة من الجوانب المعرفة على الإطار الشخصي، وبالتالي فإن التحركات المعرفية مرتبطة بالقدرة على التوظيف المناسب، وكذلك نتيجة الرغبة الشديدة في أحداث الفروقات، لامتلاك زمام الأمور بالشكل الملائم.

توظيف المعرفية في تنمية الجوانب الروحية، وزيادة الجرعات العبادية لدى المسلم، عنصر أساسي في وضع الآليات المناسبة للتحرك بالاتجاه السليم، خصوصا وان الحرص على فهم الحقائق الكامنة وراء الأوامر الإلهية بتلك العبادات، يساعد في الالتزام على أدائها بعيدا عن مفاهيم ”إسقاط الواجب“، فالمرء العارف بحقائق الأمور أكثر قدرة على تنمية الجوانب الروحية، من الشخص الجاهل بماهية تلك حقائق العبادات على اختلافها، الأمر الذي يفسر الاختلاف في الانعكاسات المترتبة لأداء فرائض الصلاة بين مسلم وآخر، فالبعض لا يتورع عن ارتكاب الذنوب الكثيرة، على الرغم من الالتزام بأداء الصلاة في الأوقات، بينما البعض الآخر يتجنب الإقدام على الفواحش والابتعاد عن المنكر، نتيجة الإدراك التام بحقيقة الصلاة ”إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر“.

النظرة إلى فريضة الصيام تختلف من صائم لآخر، فالبعض لا يتجاوز مفهوم الصوم حاجز الامتناع عن تناول الطعام والشراب، منذ الفجر حتى أذان المغرب، بينما البعض الآخر يتجاوز ذلك المفهوم الضيق لفريضة الصيام، نظرا لامتلاكه المعرفة، والقدرة على التعرف على بعض الحقائق الغائبة، عن أصحاب المفاهيم الضيقة، الأمر الذي يفسر الحرص على زيادة الجرعة العبادية طيلة الشهر الفضيل، خصوصا وان ساعات شهر الصيام لا تتكرر سوى مرة واحدة في السنة، مما يستدعي التحرك باتجاه توظيف تلك الأوقات الثمينة بشكل يزيد من التقرب إلى الخالق.

وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان

شهر رمضان: شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان.

اللهم: صل على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفظ مما حظرت فيه، وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك.

كاتب صحفي