شهر التوبة 13
النظام الدقيق في وقت الإمساك عن الطعام خلال شهر رمضان المبارك، وكذلك تحديد وقت الإفطار لتناول الأطعمة، يشكل عنصرا أساسيا في تنظيم الحياة لدى المسلم، خصوصا وان إدارة الوقت لاعب أساسي في تحقيق النجاحات في الكثير من النواحي الحياتية، فيما الفوضى وإضاعة الوقت تجلب الكثير من الخسائر على الصعيد الفردي، وكذلك على الإطار الاجتماعي، ”إذا أمكنت الفرصة فانتهزها، فإن إضاعة الفرصة غصة“ و”من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها“.
شهر رمضان فرصة كبرى للمسلم في عملية استغلال الوقت بالشكل المطلوب، فالالتزام بوقت الإمساك عن الطعام، وكذلك الشروع في تناول الأشربة بعد ساعات طويلة من الصيام، يساعد في وضع الخطوات الأساسية للانطلاق بقوة باتجاه إحداث تغييرات حقيقية في المسيرة الحياتية، لا سيما وان شهر رمضان المبارك يمثل حالة استثنائية في عملية إدارة الأوقات، من خلال وضع ضوابط صارمة في عملية تناول الأطعمة والأشربة، مما يعزز القدرة لدى الصائم على الالتزام الدقيق بالأوقات، والابتعاد الفوضى في الممارسات الحياتية، ”إنّ الّليل والنّهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منها“.
الانعكاسات الإيجابية لإدارة الوقت في شهر رمضان المبارك، تتمثل في اتخاذ الخطوات العملية في سبيل إعادة برمجة الحياة، بحيث تأخذ في الاعتبار العناصر الفاعلة للارتقاء بالمخططات الشخصية، لاسيما وان الفوضى في التعاطي مع التحديات الحياتية، تجلب المزيد من المعاناة، وتخلق حالة من الارتباك الذاتي، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على تحقيق الطموحات الشخصية، فيما يتعلق بالخطط المستقبلية، بحيث تبرز على أشكال متعددة بعضها ملموسة بشكل واضح في عدم القدرة على تحقيق اختراقات، للوصول إلى الغايات المرسومة والبعض الآخر يتمثل في الفشل على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي البقاء في المقاعد الخلفية في الكثير من الممارسات الحياتية.
اكتساب قيمة إدارة الوقت إحدى ثمار صيام شهر رمضان المبارك، فهذه الميزة الكبرى على الصعيد الفردي، بإمكانها إحداث تغييرات حقيقية في السلوك الشخصي، ”إن أوقاتك أجزاء عمرك فلا تنفذ لك وقتاً إلا فيما يُنجيك“، فهناك فرق في النظرة للحياة بين الشخص المستهتر بالأوقات، والآخر الملتزم بالوقت، فالأول غير قادر على إنجاز الكثير من الأعمال، جراء الضياع الناجم عن كيفية الاستفادة من كل دقيقة في الحياة، الأمر الذي يقود إلى المزيد من الانتكاسات في الكثير من المشاريع الشخصية والعملية، بخلاف الشخص الذي يتعامل بمسؤولية مع الأوقات، فهذه الميزة تحصد المزيد من التقدير والاحترام على الإطار الشخصي وكذلك الاجتماعي، ”واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا“.
إدارة الوقت خلال شهر رمضان المبارك لا يقتصر على الإطار الشخصي، حيث تشمل هذه الميزة الرمضانية جميع الشرائح الاجتماعية، فالجميع يدخل في حالة الإمساك عن الأطعمة خلال وقت محدد، كما يبدأ في كسر الصيام بشكل جماعي، الأمر الذي يشكل ظاهرة اجتماعية إيجابية، من خلال إدخال الجميع في عملية إدارة الأوقات، بهدف إحداث حالة من الاستغلال الأمثل للوقت، لاسيما وان وضع برامج قادرة على تحقيق الالتزام الجماعية بالأوقات صعبة للغاية، جراء اختلاف المفاهيم في عملية الآليات المستخدمة لضبط الأوقات لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، بيد أن تلك الصعوبة تتحول إلى ظاهرة ممكنة خلال شهر رمضان المبارك، الأمر الذي يحفز على تحريك البيئة الاجتماعية باتجاه تفعيل هذه الميزة الرمضانية، لتصبح جزءا من المفاهيم الثقافية السائدة في السلوك الاجتماعي، من أجل إحداث تحولات إيجابية في العقل الجمعي.
وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان ”شهر رمضان: شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان“.
”فأبان فضيلته: على سائر الشهور، بما جعل له من الحرمات الموفورة، والفضائل المشهورة، فحرم فيه ما أحل في غيره إعظاما، وحجر فيه المطاعم والمشارب إكراما، وجعل له وقتا بينا لا يجيز جل وعز أن يقدم قبله، ولا يقبل أن يؤخر عنه“.