شهر رمضان وقسوة عريكتنا
من مكارم أخلاق زين العابدين ”وَسَتْرِ الْعَائِبَةِ، وَلِينِ الْعَرِيكَةِ، وَخَفْضِ الْجَنَاحِ، وَحُسْنِ السِّيرَةِ، وَسُكُونِ الرِّيحِ، وَطِيْبِ الْمُخَالَقَةِ، وَالسَّبْقِ إلَى الْفَضِيلَةِ“
العريكة: تعني النفس والخلق، وطبيعة المعاشرة مع الآخرين، لأن العرك هو الدلك والتحمل - يقال: عرك الأديم أي دلك الجلد، أي أن الإمام يسأل الله أن يجعله سلس الخُلق في معاشرة الناس.
بقدر ما نسعد بدخول شهر رمضان المبارك بقدر ما نكون مستائين من أنقلاب أحوالنا، سلوكنا، ردود أفعالنا وطريقة تعاطينا مع أمورنا الحياتية.. نميل إلى أن نكون كائنات ليلية فنقضي النهار نوماً والليل سهراً، نحتاج إلى جرعة زائدة من النوم غالباً، نميل إلى التأفئُف إزاء بذل أي مجهود، نتذمر لأصغر وأسخف الأمور، وننظر إلى الآخرين نظرة القاسين الظالمين لعدم مراعاتهم بإننا صائمون، والحال أدهى وأمر لدى أخواننا مدمني السجائر والقهوة الذين يعتبرون هذا وقود اليقظة والتركيز وتحسين المزاج وفي حال غيابة فإنهم غير ملومين.. والحال أني أرى أيام هذا الشهر الفضيل لا تختلف عن سائر أيام بقية السنة وأن الصيام المفترض من شأنه أن يحسن من أخلاقنا وطريقة تعاملنا لا أن يزيدها سوءًا، ولكن يبدو لي أن تأثير المجتمع من حولنا متغلغل بعقولنا الباطنة منذ الصغر بتشكيل حال الصائم بصورة مأساوية وكأن الله حاشاه فرض علينا الصيام قسوةً وتعسفاً لا حمةً وتودداً.
نحن وبنهار شهر رمضان ترتفع نفسياتنا حدود أرانب أنوفنا، نعطي الرخصة لأنفسنا بلا ملامة بأن نكون عصبيي المزاج سريعي الغضب غير قادرين بالتحكم بردود أفعالنا.. وكأن شهر رمضان مستثنى من أخلاق المصطفى وأهل بيته التي اختزلها السجاد في دعائه.
فهل يا تُرى يكون لين العريكة على مراحل ودرجات ومراتب؟، وهل هيَ بالأصل تنقسم إلى قسمين: فمنها ما هو بالطبع، أي ما جُبل عليه الإنسان. ومنها ما هو بالتطبّع، أي بالأخذ والاكتساب؟ لو صح ذلك فنحن على مقياس بين قطبين متضادين الأول وهو في الدرجة الدنيا منه كالصخرة التي يصعب تشكيلها والتأثير فيها، والأخر وهوَ بأعلى مراتب اللين والمرونة وهوَ كالماء يأخذ شكل أي شيء يحتوية أو يسير خلاله، ربما حريٌ بنا أن نزِنَ أنفسنا على هذا المقياس برأي الآخرين لا برأي أنفسنا، ونغتنم نعمة مرورنا بهذا الشهر للتحسين من رشاقة أخلاقنا وسلوكنا في التعامل مع الآخرين، والعمل على إصلاح ردود أفعالنا لنرتقي بما تربينا عليه من تعليم ديننا إن كُنا نزعم أنا مسلمين.
اللهم ببركة هذا الشهر الكريم أجعلنا في مَن حولنا وفي الناس كالنسمة الرقيقة، يبتهج الجميع لملاقتنا، ويشتاقون لنا لو فقدونا، وقتنا معهم بفائدة، وكلامنا لهم مُطيبٌ للخواطر.. وحين نرتحل عنهم لا نخلف بعدنا إلا الأثر الجميل والذكر الحسن.