شهر التوبة 12
تلاوة القرآن الكريم مطلوبة على الدوام، فالمداومة على قراءة الذكر الحكيم لا تقتصر على الثواب الجزيل وطهارة القلوب ”وفيه ربيع القلب.. وما للقلب جلاءٌ غيره“، وانما تشتمل الكثير من العلوم الأخلاقية والإنسانية والدينية والعلمية وغيرها من العلوم الأخرى، التي تتضمنها الآيات الكريمة، ”في القرآن نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم“، ”إن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن“، فالكتاب السماوي المقدس معجزة الرسول الاكرم ﷺ الخالدة على مر العصور، ”إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ“.
شهر رمضان احد المواسم الرئيسية لتلاوة القرآن الكريم، فالألسن تلهج بالآيات الكريمة منذ اعلان دخول الشهر الفضيل، لاسيما وان الصائم يسعى بكل جوارحه إلى التقرب للخالق، من خلال وضع برامج أخرى تضاف إلى فريضة الصيام، حيث تشكل تلاوة الذكر الحكيم احدى البرامج الرئيسية بشكل يومي، لاسيما وان الصائم يعرف الاثار المترتبة للمداومة على قراءة القرآن طيلة أيام السنة، ولكن الثواب يتضاعف خلال شهر رمضان المبارك، ”وَمَن تَلا فِيهِ آيَةً مِنَ القُرآنِ، كَانَ لَهُ مِثلُ أَجرِ مَن خَتَمَ القُرآنَ فِي غَيرِهِ مِنَ الشُّهُورِ“، الامر الذي يفسر الاهتمام الكبير من لدن الصائم بالالتصاق الكبير بكلام الله تعالى، بحيث لا يقتصر البعض على كمال ختمة طيلة الشهر الفضيل ولكنه يفضل قراءة أكثر من ختمة، من اجل الاستفادة القصوى من افضل الشهور، وزيادة جرعات التقرب إلى الله من خلال قراءة كتابه الكريم، «القرآن أفضل كل شيء دون اللّه، فمن وقّر القرآنَ فقد وقّر اللّه».
خطبة الرسول الاكرم ﷺ في استقبال شهر رمضان المبارك تضمنت دعوة إلى تلاوة القرآن الكريم، فهذه الدعوة تأخذ في اعتبارها الاثار الإيجابية المترتبة على قراءة كتاب الله، خصوصا وان المسلم يخرج بالكثير من الفوائد والثمار الكثيرة بمجرد الجلوس على مائدة القرآن الكريم، فالعلوم الوافرة المتوافرة في بطون السور القرآنية متاحة للجميع، بيد ان القابلية تختلف من شخص لاخر، فيما يتعلق بمقدار الحصيلة اليومية من علوم القرآن، فالبعض تكون حصيلته من تلاوة القرآن أخلاقية والبعض الاخر لغوية والثالثة اجتماعية والرابع اخروية وغيرها من الفوائد العديدة، التي يحصل عليها القارئ لكتاب الله، وبالتالي فان المحصلة المترتبة على الجلوس على مائدة القرآن الكريم ليست واحدة، فهي تتعدد تبعا لطبيعة الاهتمامات لدى المتلقي أولا، والقدرة على الاغتراف من العلوم القرآنية ثانيا، ”فَاسأَلُوا اللهَ رَبَّكُم بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، أَن يُوَفِّقَكُم لِصِيَامِهِ، وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَن حُرِمَ غُفرَانَ الله فِي هَذَا الشَّهرِ العَظِيمِ“.
الايمان المطلق من الصائم بقدسية كتاب الله، وقدرته على تطهير النفوس من الاوساخ الدنيوية، والارتقاء بالذات إلى السمو الاخروي، بالإضافة إلى الاثار الدنيوية والاخروية، احد المحفزات الكثيرة التي تدفع نحو الاهتمام بهذا الكتاب المقدس على مدار السنة، بيد ان دائرة الاهتمام تتسع خلال شهر رمضان المبارك، بحيث تتحول الأجواء العامة إلى فضاء واسع من المنابر القرآنية، مما يدفع لمزيد من الانخراط في هذه الأجواء القرآنية الطاغية على الجميع، فبالرغم من الاهتمام الكبير بالقرآن الكريم من لدن المسلم، فانه غير قادر على الغوص في بطون الايات الكريمة، فالسور الكريمة ما تزال تحتفظ بالكثير من الاسرار، التي ما تزال غامضة على الكثير من العقول البشرية، «فضل القرآن على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه».
وَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ الْإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السَّجَّادُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ،
”شَهْرَ رَمَضَانَ شَهْرَ الصِّيَامِ، وَشَهْرَ الاِسْلاَم، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ التَّمْحِيْصِ، وَشَهْرَ الْقِيَامِ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقَان“.