معرفتنا بذواتنا سر تعاملنا مع الآخرين
من مكارم أخلاق زين العابدين ”أللَّهُمَّ وَسَدِّدْنِي لاَنْ أعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ، وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ وَاُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ وَاُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ واُخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إلَى حُسْنِ الذِّكْرِ“
أي خُلقٍ هذا يابن رسول الله، وكيف لسواد قلوبنا وحقارة شخصنا وضحالة تفكيرنا أن تبلغ مستواه!!
أكبر خطأ أن يكون من ضمن قيمنا أن لا نهتم بمن لم يهتم لشأننا… وحين يمر بنا الزمن سندرك أسفاً مدى سُخف ما كنا نعتقد من أنه الحفاظ على كرامتنا. حريٌ بنا أن نتأمل بأن لا أحد أكبر منا غنيمةً في المبادرة بالوصال وما يعكسه من أثر إيجابي على حياتنا الشخصية والاجتماعية. كما هو حريٌ بنا أيضا تجاهل ما قد يعتقده الآخرون عنا وما هو ممكن أن يكون لهم من ردة فعل في حال أفصحنا بشيء مما في دواخلنا. تركيزنا على الأشياء الصغير التي تدخل البهجة والسرور على قلوبنا من شأنه حتماً أن يبُث السعادة والإيجابية بنا وبمن حولنا.
إحدى الدراسات التي أظهرتها جامعة هارفارد مؤخراً والتي استمرت لخمس وسبعين سنة، وكان مُقدراً لها أن تستمر طوال هذه الفترة الزمنية الطويلة برغم عدم تنبؤهم بذلك ببدايتها، العينة التي خضعت للدراسة ببداية الدراسة كانت بالعشرينات من العمر واليوم هيَ بالتسعينات، كان حجم العينة ببداية الدراسة 675 شخصاً واليوم هيَ فقط 26، عكف الباحثون على استقصى معلومات دقيقة عن هؤلاء الأشخاص بكل عام تشمل جميع جوانب حياتهم الشخصية والمهنية والاجتماعية بالإضافة إلى البيانات والتقارير الصحية وطبية، والعجيب أن القاسم المشترك بين عينات الدراسة الذين استمر بهم العمر لهذا السن كان مدى عمق علاقتهم بمن حولهم من أقارب وأصحاب، كانوا يتشاركون النضج والحكمة بطريقة التعامل مع الآخرين وجعل أواصر العلاقة فيما بينهم متينة، يعتمد كل على الآخر وقت الشداد ويفزع الآخرون لهم لطلب مساعدتهم ومشورتهم، حيث أنه على دوام الاستعداد لتقديم ذلك باحترافية وفن بطريقة التواصل مع مختلف طباع وأمزجة وقيم الآخرين، يكون هذا متأصلاً لدى الأشخاص ذوي المعرفة العميقة بذواتهم أولاً الذين اتخذوا من إصلاح أنفسهم طريقاً لإصلاح المجتمع، وأثبتت الدراسة الأثر الذي يكون لذلك من وضع صحي ونفسي واجتماعي ممتاز يمدك بعمرٍ أطول ذي جودة عالية بالحياة.
العمق المعرفي بذواتنا وانفعالاتنا وردود أفعالنا يؤهلنا لشحذ الحكمة بشخصيتنا والنضج بطريقة تواصلنا مع الآخرين ويأخذنا بمراحل متقدمة بالقرب من مستوى الخلق الرفيع للمصطفى وأهل بيته، لنتمكن ببعض الأحيان من وصل من قطعنا وسداد من عارضنا ونصح من غشنا والبذل لمن حرمنا والذكر الحسن لمن أغتابنا وذكرنا بسوء.
وأصدق ما يمكن أن نتقلد بهذا المقام ما قاله جلال الدين الرومي: ”بالأمس كُنت ذكياً أردت أن أغير العالم… اليوم أنا أكثر حكمة أريد أن أغير من نفسي“