ما هي التحديات التي تواجه الجمعيات الخيرية والتوجهات التي تصنع مستقبلها؟
الكل منا يدرك الدور الاجتماعي الكبير الذي تقوم به الجمعيات الخيرية في وطننا من تأمين حياة كريمة للمحتاجين والأيتام وذوي الدخل المحدود حتى باتت أغلب هذه الجمعيات منغمسة في هذا الدور الكبير منذ بداية تأسيسها وحتى الآن، وهذا ما جعل نسبة كبيرة منها تعتمد نموذج الإدارة القائم على منهج الرعوية منذ خمسة عقود وربما أكثر من ذلك.
مع إطلالة رؤية 2030 بدت هناك موجة كبيرة من التغييرات المتسارعة تواجه مؤسسات هذا القطاع غير الربحي حتى باتت الجمعيات تعاني من هذا التحول الديناميكي الذي يحتم على هذه المؤسسات أن تتخذ قرارات سريعة في تغيير أنماطها وتوجهاتها الإدارية، حتى تتكيف مع توجهات رؤية 2030.
طبعا هناك قيادات استراتيجية استوعبت هذا التغير قبل عقدين من الزمان، ووضعت خططا استراتيجية تمتص هذا التغير بشكل لا يؤثر في مواردها وتوجهاتها، وربما هناك عدد محدود من الجمعيات التي حظيت بهذه القيادات.
الآن، نحن في 2023 م ونلاحظ وجود: تحديات وفرص وتوجهات ينبغي أن تستوعبها قيادات العمل الاجتماعي جيدا، وتعمل على إعادة تحديث خططها الاستراتيجية للكيانات التي تقودها، حتى تستوعب هذا التغيير التنموي المتسارع، وفي هذا المقال سنتطرق إلى هذه التحديات والتوجهات والفرص في قطاع المنظمات غير الربحية.
أكبر تحد يواجه الجمعيات الخيرية هو تنمية مواردها المالية. فكلنا يعلم أنه لا يزال هناك الكثير من الجمعيات تعتمد على تبرعات الأفراد والمؤسسات لتغطية 70% تقريبا من مواردها المالية؛ والتحدي الآخر صعوبة هو استقطاب مواهب إدارية ذات توجه استثماري لعضوية مجلس
الإدارة؛ أما نمطية النموذج الإداري الذي تدار به أغلب هذه المؤسسات الخيرية فيشكل تحديا جوهريا في العمل الخيري.
قبل عقد من الزمان تم تطبيق نظام الحوكمة في القطاع غير الربحي حتى تفصح هذه المؤسسات عن الكثير من المعلومات التي يمكن من خلالها تقييم الوضع الراهن لهذه المؤسسات، ومن ثم العمل على تطويرها. وخلال هذه المدة بدت تتضح أهم التوجهات التي ينبغي للجمعيات تضمينها في خططها الاستراتيجية وأهمها:
1 - الاعتماد على جهاز تنفيذي مؤهل وموهوب ومتفرغ لقيادة الجمعية نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية، والتقليل من الاعتمادية على المتطوعين كجهاز تنفيذي داخل الكيان.
2 - تنمية الموارد المالية من خلال تعيين أخصائي تنمية موارد مالية بالجمعية مهمته وضع خطة تنمية موارد مالية والعمل على تنفيذها.
3 - تحقيق الاستدامة المالية: من خلال امتلاك بعض الأصول والمشاريع الاستثمارية التي توفر تدفقا ماليا مستداما يغطي نسبة كبيرة من مصروفات الجمعية.
4 - التحول إلى الحالة التنموية كبديل عن الرعوية من خلال تخطيط مشاريع ومبادرات تنموية تسعى إلى رفع الكفاءة المهنية والوظيفية للمستفيدين، ومن ثم تمكينهم في سوق العمل عبر الأنواع المختلفة لأنواع العمل في السوق السعودي.
5 - تأسيس وحدة المشاريع في هذه الكيانات بحيث تكون قادرة على الدخول في المنافسات الحكومية من خلال منصة اعتماد، والفوز ببعض المشروعات الحكومية التي تستفيد من أرباحها كموارد نقدية للجمعية.
خلال العقد الأخير حدث تطور كبير في القطاع غير الربحي، آخرها هو تأسيس المركز الوطني للقطاع غير الربحي كجهة مسؤولة عن تطوير الجمعيات الخيرية والأهلية غير الربحية، من خلال وضع مجموعة من التشريعات وكذلك حزمة من الفرص، ومن أهمها:
1 - تأسيس صندوق دعم الجمعيات: والذي تم إطلاقه في غرة يناير 2023م بميزانية مليار ريال، لتوفير حزمة من المنح المتنوعة، وإجراءات إلكترونية لمعالجة الطلبات بمدة لا تتجاوز 30 يوما.
2 - دعم رواتب الجهاز التنفيذي في الجمعيات بنسبة 50 % لعدد ست وظائف هي: مدير تنفيذي، محاسب، مدير مشاريع، مدير تنمية موارد مالية، مدير تطوع، باحث اجتماعي.
3 - عمل شراكة مع بنك التنمية الاجتماعية لتوفير 5 باقات من القروض والتسهيلات المالية منها:
⁃ مبادرة دائم: قرض 10 ملايين للاستثمار وتحقيق الاستدامة
⁃ مبادرة ساهم: قروض لرواد الأعمال من المستفيدين 2 مليون
⁃ مبادرة تمويل الدورة التشغيلية: قرض نصف مليون
⁃ مبادرة تمويل الدخول في المنافسات الحكومية: قرض 10 ملايين
⁃ قرض وسطاء التمويل.
- تأسيس إدارة المسؤولية الاجتماعية بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتسهيل دعم مشاريع ومبادرات الجمعيات من خلال التشبيك مع القطاع الخاص الذي يسعى إلى تحقيق مسؤوليته الاجتماعية من خلال برامج ومبادرات نوعية ومبتكرة.
- إطلاق مبادرة تضافر، والتي تسعى إلى الاستفادة من فرص السعودة في الشركات بتوطينها بموظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام وتسكينها في الجمعيات الخيرية بدوام كامل دون أي تبعات مالية على الجمعيات.
- ترخيص شركات غير ربحية تسعى إلى الاستفادة من فرص السعودة في الشركات بتوطينها بموظفين من الشباب السعودي داخل الجمعيات الخيرية بدوام كامل.
وأخيرا، أدعو جميع الجمعيات إلى إعادة النظر في خططها الاستراتيجية، وجهازها التنفيذي للاستفادة من جميع هذه الفرص، واستثمار توجهات رؤية 2030 وتحقيق مستهدفاتها في القطاع غير الربحي لتحقيق جودة الحياة للمستفيدين من الجمعية.