آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

رمضان والعيد وتربية الأطفال ماليا

الدكتور جاسم المطوع *

في رمضان يشاهد الأطفال «إطعام المسكين، وإفطار الصائم، والحرص علي الصدقات، وحساب الزكاة، وتوزيع زكاة الفطر قبل العيد بيوم»، وكذلك يشاهدون العطايا والهدايا للأهل والأصحاب والأرحام، فإذا جاء العيد شاهد الأطفال «العطف علي الفقير، وتوزيع العيدية والحلويات»، فيعيش الطفل شهرا كاملا وهو يري المال كيف ينفق ويوزع ويستثمر في طاعة الله وإسعاد الناس، فهذه كلها تربية مالية يتلقاها أبنائنا وهم يراقبون تصرفاتنا من غير أن نشعر، فالتربية الذكية هي التي تعلمنا كيف نستثمر رمضان والعيد في حسن توجيه أبنائنا ليمتلكوا العقلية التجارية ومهارة التعامل مع المال حفظا وإدارة واستثمارا.

ولو أتبعنا هذه التربية بمشروع تجاري نكلف به أبنائنا لفترة الصيف استثمارا للعيدية ولما شاهدوه في رمضان من التعامل المالي، لتميز أبنائنا ماليا ونكون قد أسسنا لحياتهم ومستقبلهم حسن التعامل مع المال من غير تبذير أو اسراف، وقد أعجبني موقف لصديق حدثني أنه أعطي أبنه البالغ من العمر خمسة عشر عاما مبلغا من المال، عندما انتهي من الاختبارات المدرسية وكلفه بأن يعمل مشروعا تجاريا في فترة الإجازة الصيفية بشرط أن يرد له المبلغ كاملا في نهاية الإجازة مع نسبة أرباح لا تقل عن عشرة بالمائة.

ومازالت التجربة مستمرة علما بأنه استشار والده أكثر من مرة في اختيار المشروع وكيفية التسويق والتعامل مع العملاء والتفاوض معهم علي السعر، وكل هذه المهارات ينبغي أن يتعلمها أبنائنا لتنمية شخصيتهم من خلال التعامل مع المال بيعا وشراء، ونكون بهذه الطريقة قد تجاوزنا أكثر المشاكل التي تعاني منها الأسرة الخليجية في صرف المال علي الأمور الإستهلاكية وبالأخص الترفيه والمطاعم، وقليل منها يصرف علي التعليم أو تنمية الشخصية، ولهذا ينبغي أن نستفيد من الجانب المالي في رمضان والعيد لتربية أبنائنا ماليا.

ولعل من أهم قواعد التربية المالية أن الأسرة الغنية لا ينبغي أن تظهر غناها الفاحش لأبنائها بطريقة التفاخر أو اتباع سياسة الباب المفتوح لكل ما يطلب، فكلما طلب الأبناء شيئا تمت الإستجابة لهم، فإننا في هذه الحالة نعلمهم الإسراف والدلع وعدم الإحساس بتحمل المسؤولية، بل إني أعرف أبا أفسد أبنائه لأنه لا يعرف يقول لهم كلمة لا، حتي اضطر إلي أن يقترض من أجل تحقيق طلباتهم الشرائية في الكماليات، فلما كبر الأبناء وتزوج أحدهم لم يحسن إدارة بيته ماليا وصارت الزوجة هي التي تصرف علي البيت بسبب اهمال زوجها المالي لدخله الشهري، وأنتهت القضية إلي طلب هذه الزوجة الإنفصال من زوجها بسبب عدم قدرته علي الإدارة المالية وتبذير المال في الكماليات وعدم الإهتمام بالأولويات.

ولعل من القواعد التربوية الجميلة التي أسسها عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أو كلما أشتهيت أشتريت؟»، فلو علمنا هذه القاعدة أبنائنا فإنهم سيتعلمون التخطيط للأشياء التي يرغبون شرائها، ويتعلمون حسن اتخاذ القرار، ويتعلمون المقارنة بين الأسعار قبل الإستعجال بالشراء، ويتعلمون دراسة جودة ما يشترون، ويتعلمون مقدار العمر الإستهلاكي لما يريدون شراءه، فكل هذه المهارات مهمة لاتخاذ قرار الشراء وهي من صميم التربية المالية للأبناء.

ولو كان للإبن حساب بالبنك يضع فيه عيدية العيد فينبغي أن نعلمه كيف يستثمر هذا المال، وكيف يحسب زكاته السنوية، وكيف يخصص جزءا من ماله للفقراء والمساكين، وأخبره بقصة عبدالله بن المبارك رحمه الله عندما قرر الذهاب للحج وهو في الطريق فرأي فتاة تلتقط الطعام من القاذورات فقرر أن يعطي مبلغه الذي سيصرفه علي حجته النافلة لهذه العائلة ويعود، أو نذكر لهم قصة قارون وكيف أن الله خسف به بسبب اكتنازه للمال، مثل هذه القصص تصحح لهم النظرة للمال.

ومن الأفكار العملية الجميلة للتربية المالية أن يأخذ الأب ولده معه للعمل أو لمشروعه التجاري حتي يشاهد مقدار التعب والمشقة من أجل جلب الرزق، وأن المال لا يأتي بسهولة كما يظن بأن نضع الكارت بمكينة الصرف ونضغط علي الزر ثم تخرج النقود من غير تعب أو مشقة.

وإذا أراد الوالدين أن يتحدثا مع أبنائهما بلغتهم التي يستخدمونها وهي لغة الأيباد والهواتف الذكية فإن هناك كثير من الألعاب الإلكترونية التي تعلم الأبناء كيفية التعامل مع المال سواء بالصدقة علي الفقراء أو ببناء مزرعة وبيع منتجاتها الكترونيا أو بشراء عقار وبناء منتجع وتسويقه أو بإغاثة شعب تعرض لكارثة كل هذه الألعاب موجودة الكترونيا، ولعل من الألعاب المتميزة «الغير إسلامية» والتي تعلم الأطفال الصدقة علي الفقراء أو مساعدة الفقير في «الآب» لعبة اسمها «ihobo»، صممت هذه اللعبة مؤسسة خيرية في بريطانيا تهدف لمساعدة الشباب الذين ليس لديهم مسكن ويتسكعون بالشوارع علي الإستمرار بحياتهم بطريقة كريمة، كما تهدف اللعبة لتعليم الشاب اللاعب كيفية عمل الخير بطريقة عملية ومفيدة وذلك من خلال تحويل إنسان عاطل عن العمل لشخص منتج بالمجتع، وفكرة اللعبة تقوم علي أن اللاعب يوجه الشاب الفقير لمدة ثلاثة أيام فيعطيه الطعام واللباس والمال ويساعده علي التخطيط ليتجاوز مشكلة السكن.

كما تهدف اللعبة لتعزيز علاقة الشاب اللاعب بخدمة المجتمع، وقد تم تنزيل اللعبة في الآيباد حتي كتابة هذا المقال ستمائة الف شخص وحصلت المؤسسة الخيرية من اللاعبين المتعاطفين مع الشباب المساكين مبلغ وقدره مليونين وثلاثمائة ألف جنيه استرليني، فهذه فكرة ذكية لو نستفيد منها لتعليم شباب المسلمين إدارة المال وتوظيفه.