آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

سحر الكلام في التخاطب الكتابي

عصام المرهون

من مكارم أخلاق زين العابدين ”أللَّهُمَّ وَاجْعَلْ لِيْ يَداً عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي وَلِسَاناً عَلَى مَنْ خَاصَمَنِي وَظَفَراً بِمَنْ عَانَدَنِي“

يُقال إن من الكلام لسحر، وكلمات اللسان تارةً تكون سيفاً جارحاً ومطرقة هادمة، وتارةً أُخرى بلسماً يشفي القلوب وترياقاً يُطببُ عِلل الأرواح والأنفس، بمجتمعنا وعلى نحوٍ ما نشأنا وتكونت لدينا فكرة بعقلنا اللاواعي أن جميع الأطياف والأعراق والملل من حولنا أعداء أو للتصحيح هُم مبغضون ومعادون لنا ونحن ذوي المنهج الصحيح مُسالمين مٌحبين للجميع.. رُغم أننا مضطهدين مُتحاملٌ علينا. ومثل هذه الفقرة من الدعاء ربما تعزز قناعتنا هذه بمعناها السطحي أو ربما تزيد من إحساس مظلوميتنا، وواقع الحال أن الإمام بالمعنى العميق لهذه الفقرة من الدعاء له قصدٌ عكس ذلك تماماً.

طلب اليد على من ظلمني واللسان على من خاصمني بأخلاق المصطفى وآله يكون بالروح السمِحة ولغة المحبة لا بنظرية الفائز المهزوم كما نعتقد، بتصور الآخرين إخواناً لا أعداء.. أحباء لا ظالمين… أصدقاءً لا خُصماء، وعليه فإن القوة التي نطلبها تكون لمقدرتنا على صنع المودة والأخوة، واللسان لتقريب وجهات النظر وخلق المحبةِ لا البغضاء والظفر بتقبل كلٍ للآخر والتعايش بسلامٍ ووئام.

اللسان الحاضر ذو اللباقة والأناقة الذي يوُفق صواباً للنطق منطِقاً في الوقت والمكان المناسب هبةٌ كُبرى من خالق السماء… ولعمري ما من مفتاح يفتح محبة القلوب وميل الأرواح أكثر مِمَن ملَكة الكلمة وفنون الرد المقتضب الواضح المباشر.

ولعل ما يتعاظم حاجتنا له اليوم هوَ النضج والحكمة في التخاطب الكتابي، حيث يشير علم التخاطب بأن الكلمات التي تصدر منا تمثل فقط 7% حوارنا مع الآخرين، و38% تمثل طريقة اللفظ والإلقاء من وزن الحوار، والنسبة المتبقية الأكبر 55% من نصيب لغة الجسد، وحيث أصبح جُل تواصلنا اليوم بعالمنا الرقمي كتابياً أصبحت لغة الجسد وطريقة اللفظ في حوارنا غير متوفرة كما هيَ حينما يكون الحوار وجهاً لوجه، أو بمعنى أدق موجودة لكن بنسبة أقل حيث أننا في معظم الأحيان يكون لدينا ملَكة الخيال في تخيل لغة الجسد وطريقة لفظ الكلمات بين ثنايا الكلمات التي نقرأ، هذا مما يجعل التواصل كتابياً أصعب… حيث لإيصال عباراتنا بلغة الحب والتسامح التي ذكرناها نحتاج لبذل مجهود مضاعف في انتقاء كلماتنا ومجهود أكبر للوصول إلى عقل وقلب الشخص المُخاطب لتصور الحالة التي سوف يتصورها للغة جسدنا وطريقة لفظنا للكلام ما بين سطور كلماتنا.

بهذا المقام ربما نحتاج أن نخلع عباءة «كان هذا قصدي من كلامي وإن تم فهمه بخلاف نيتي فهذه مشكلتهم» لنصل إلى مستوى نحترف فيه إيصال لغة جسدنا ولفظ كلامنا في حوارنا المكتوب بلغة المحبة التي هيَ ببواطن نياتنا وقلوبنا، يقول أبو عبدالله : ”كُونُوا دُعاةً لِلنّاسِ بِغَيرِ ألسِنَتِكُم“ وفي معترك زمننا الحديث ربما نحتاج أن نركز الطاقة التي خلف كلماتنا والمقاصد التي بين سطورنا من تصور وتخيل طريقة لفظنا ولغة جسدنا إلى المقصد الذي نختزلهحقيقةً من الاحترام والود والتصالح والمحبة للآخرين.