طفشان من العمل في شهر رمضان؟!
ثلاثون يومًا أو أقل، أنقِص منها ثمانية أيام نهايات أسابيع وأيام إجازة قبل نهاية الشهر، يعني أن أيام العمل الفعليّة في شهر رمضان أقل من عشرين يومًا! في هذه الأيام يصادف أن أرى قبيل منتصف الصباح أرتال السيّارات الذاهبة إلى العمل من الجنسين والعائدة مبكرة مساءً، لا أخفيكم أنني أغبطهم جميعًا على شيئين؛ ثواب العمل في شهر رمضان وعلى العمل بحد ذاته!
أيضًا، وقفة إجلال في مثل هذه الأيام للآباء والأجداد والأجيال الماضية الذين لم تتهيأ لهم الظروف المريحة في أيام شهر رمضان؛ بحر وشمس وفلاحة وبناء، وندرة في أدوات العمل، كل ذلك بدوامٍ كامل دون شكوى، بل الحمد والشكر لله على الرزق قلّ أم كثر! ألا ترون أننا في نعمة؟ بيئة العمل أريح وساعات العمل أقصر والبيوت أكثر راحة عن ذي قبل، ما يجعل من الصيام - عن الأكل والشراب - سهلًا ومريحًا! أين أيامنا من تلكم الأيّام؟! أولئك - الأوائل - حقّ لهم أن يشتكوا أما نحن فلا.
لو اكتفى الدين بالعبادة دون العمل، وبالآخرةِ دون الدنيا، لكانَ دينًا ميِّتًا، لا حياة فيه! لذا لم يغفل الإسلام عن الحياة ولم يغفل عن العمل وإن كان في شهر رمضان. إنّ الدين الحيّ يجمع بين الدنيا والآخرة، بين المدرسة والمصنع، وبين الجامع والمتجر. ألم يقل رسول الله ﷺ: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا؟
جمعَ شهر رمضان دون منازع من بقية الأشهر بين قصر ساعات الدوام وجزيل الثواب. عن رسول الله ﷺ: ”العبادة عشرة أجزاء تسعة أجزاء في طلب الحلال“ وعنه أيضًا: ”الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله“. فإذا كانت هذه جوائز الكادّ على عياله في سائر الأيام، كيف - إذن - تكون الجوائز في شهر رمضان؟
شخصيًّا، عندما أسترجع ذكريات أيّام الوظيفة في شهر رمضان، أجد أنني أحببتُ وأفتقد بشدة أيّام العمل القصار، ستّ ساعات، ليس فيها أكل ولا شرب؛ ساعات مع قلتها فهي منتجة ومباركة وهادئة. كنا نعمل من السادسة صباحًا حتى الثانية عشر من الظهر في السنوات الأولى قبل أن يتغير الدوام إلى غير ذلك.
غاية المرام: العمل ملح الرجال! لا تستثقلنّ العمل في أيام شهر رمضان، شهر عمل وجدّ وليس شهر ترفيه؛ سؤال النّاس والحاجة لهم أصعب وفي ما بقي من ساعاتِ الليل والنهار ما يكفي للقربات من الصلوات والدعاء. اعمل وكد على عيالك وإن استطعتَ أن تكون ذا مال فلا تتردد. وللعجب أن هناك من يقضي ساعات شهر رمضان لا في العير ولا في النفير، لا في الدنيا ولا في الآخرة!