بدأت يومي بتقديم الهدايا
من مكارم أخلاق زين العابدين ”اللهم ومتعني بهدى صالح لا أستبدل به، وطريقة حق لا أزيغ عنها، ونية رشد لا أشك فيها وعمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك“
حين أقسم إبليس لله على أن يأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن يمينا وشمالنا، كان جهده موجها ومركزا من أجل أن يزلنا ويحرفنا من خلال نياتنا، أي من المراحل التي تسبق الإتيان بالعمل والشروع فيه، ومقصده هنا على سبيل المثال أن لا أدعهم يصلون إليك بل أقف في طريقهم للصلاة، وإذا أتوك من جهة واجهتهم منها حتى أصرفهم عنك، ومن لا تنفع معه المصارحة أي الإتيان من أمام أتيته من خلف، أي ألبست له الحق بالباطل، أو همست في أذنه: انظر إلى فلان وفلان ارتكب كذا وهو أعظم منك شأنا أو أحسن منك حالا ومعاشا... لذلك يهذبنا الإمام هنا لطلب ”نية الرشد“ التي لا نشك فيها.
أستذكر مرة كنت في رحلة عمل إلى مدينة جدة عاقدا العزم على الذهاب لأداء مناسك العمرة بعد ذلك، أخبرت خالتي بما عقد العزم عليه وسألتها إن كان لها حاجة توصيني بها، فطلبت مني شيئا لم يطلبه أحد مني من قبل حيث سألت أن أهديها ثواب خطواتي من مقر الإقامة بمكة وصولا إلى بيت الله الحرام... عجيب مثل هذا الطلب الذي ربما تناسيت عظيم ثوابه، أمعنت النظر فيه طويلا وفي مثله من الأعمال البسيطة التي اعتدنا عملها من دون استحضار لنيتها الأمر الذي ربما يسلبنا شيء من حلاوة استشعارها والشعور بروحانيتها... استحضرت ذلك سريعا وأنا أستعير نعلا من أحد الزملاء بمقر الفرع هناك كان ادخره تحت مكتبه للوضوء حيث لاطفته قائلا: سوف أهديك ثواب خطواتي للصلاة! وهنا لاحظت نفس اتساع حدقت العينين التي أصابتني باليوم الذي قبله، وبالمثل جاوبني بابتسامة صادقة قائلا: رغم كبر سني إلا أنني لأول مرة أحصل على مثل هذه الهدية الرائعة.
نحن وفينا الخير نغفل استحضار النية والمبادرة بالهدية لأعمالنا المتكررة والصغيرة مع علمنا بأن الله - عز وجل - ينظر للنيات في بواطن القلوب ويوفينا الثواب العظيم لأعمال لا تتجاوز في الوزن مثقال ذرة، وكما اعتدنا الدعاء لذوينا ومن حولنا بظهر الغيب من الجميل جدا أن نستحضر نياتنا في إقامة هذه الأعمال الشيء الذي يرسخ مفهوم التوكل على رب العباد لدينا وإهداء ثوابها إلى من نحب - وما أجلها من هدية - وليكن ذلك عادة عندنا مهما كانت الأعمال بسيطة من إماطة إذا عن الطريق أو إطعام عصفورة أو عيادة مريض أو صلة رحم أو المشي لمقر كسب العيش أو حتى الابتسامة في وجه الآخرين. ولا شك ولا ريب بكرم أكرم الأكرمين أن ذلك يشارك الثواب مع من أهدينا ويضاعفه لنا أيضا.