تمسكّت بزوجها وجادلت النبي صلى الله عليه وسلم
اليوم نعيش عصر التحريض على الزوج وعلى كل مؤسسة تهتم باستقرار الأسرة، فكلمة طلاق باتت سهلة جدا عند الكثيرات وكثير من النساء والجمعيات النسائية لا هم لهن إلا تحريض المرأة على الطلاق من أصغر مشكلة مع الرجل، ليس معنى كلامي أن تستسلم المرأة لأخطاء الرجل أو ظلمه، وإنما ينبغي أن يكون الطلاق أخر خيار لحل المشكلة وليس أوله، فصار تعريف المرأة القوية هي التي تطلب الطلاق سريعا عند أول مشكلة تواجها مع زوجها، وأما من تصبر وتستخدم كافة الحلول فتوصف بالمرأة الضعيفة.
فكثير من النساء يعتقدن بأن قوة المرأة تكمن في أمرين: التخلص من الرجل وامتلاكها للمال، أما الزواج والأولاد والبيت فهذه مجموعة من المعوقات أمام تمكينها، واليوم نحن نحتاج لنوعية من النساء مثل «خولة بنت ثعلبة» رضي الله عنها فهي نموذج للمرأة القوية التي تمسكت بزوجها وجادلت النبي صلى الله عليه وسلم للحفاظ على بيتها.
وتبدأ قصتها أنها ذهبت لرسول الله تشتكي له من سوء خلق زوجها وأنه ظاهرها فقال لها «أنت على كظهر أمي» يعني أنت على حرام مثل أختي، وحكمه في الجاهلية التحريم الأبدي والفرقة بين الزوجين، وبعد أن ظاهرها طلب الرجوع إليها فرفضت فجاءت تطلب من الرسول حل مشكلتها ولكنه قال لها بأنها محرمة عليه، وظلت تجادل الرسول بأن يغير الحكم لأن زوجها تسرع وهي لا ذنب لها، وقالت لرسول الله تستعطفه: إنه أكل شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي... ظاهر مني، ورسول الله يبين لها أنه لا حل عنده لهذه الشكلة الزوجية سوى الإنفصال، فقالت كلمة معبرة عن حرقتها من تفكيك أسرتها بسبب لحظة غضب زوجها وعرف الجاهلية: إلى الله أشكوا لا إلى رسوله.
عندها جاء جبريل بالوحي من فوق سبع سماوات ونزلت الآيات التي تفرج همها وتزيل كربها وسميت السورة باسم عملها سورة المجادلة: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» وجاء العتاب من الله للرجال الذين يدعون زورا وكذبا ان زوجاتهم هن امهاتهم «الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ» وجاءت كفارة الظهار كعقوبة قاسية جدا على الرجل الذي فرط بقدسية الزواج وفرط بحق زوجته، بأن من ظاهر زوجته فكفارته على الترتيب حسب الاستطاعة تحرير رقبة إن وجدت أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا قبل أن يلمس زوجته.
ففرحت خولة بأن الله سمع شكواها واستجاب لطلبها للحفاظ على بيتها وعدم تشريد أبنائها، وصارت سورة المجادلة درسا لتعليم الرجال قدسية الزواج وأهمية استقرار الأسرة، فبطلة القصة هي فخولة بنت ثعلبة وهي من أعظم وأقوى النساء التي خلد القرآن موقفها، والعجيب في القصة أنها قالت لرسول الله أن زوجها «أوس» لا يستطيع تحرير رقبة فليس عنده المال، فقال لها عليه بالصيام فقالت إنه شيخ كبير يعني أنه لا يستطيع، فقال فإطعام ستين مسكينا فقالت ليس عنده ما يطعمهم، فدافعت عن وضعه الصحي والمادي ثم قالت أنا أعينه من مالي بإطعام المساكين فوافق النبي ﷺ وقال لها قد أحسنت،
فهي بينت خطأ زوجها وطلبت استمرار أسرتها وأعانت زوجها بمالها وأيدها الله تعالى بطلبها، فهذه الشجاعة التي نريدها من المرأة القوية والتي تقف مع الحق من أجل الحفاظ على الأسرة.