ماذا تعرف عن الصيام الرقمي؟
الهواتف الذكية صارت هي حياتنا كلها، فهي توقظنا من النوم وتصاحبنا طول اليوم وتودعنا قبل النوم، وهي مخزن أسرارنا ومستودع مشاكلنا، وفيها كل علاقاتنا وتخطيط مشاريعنا وحفظ أفكارنا وإدارة تجارتنا، كما فيها صور ولقطات لذكرياتنا الجميلة وفيها والوثائق الشخصية والأوراق الرسمية، فالهاتف الذكي صار هو البيت وهو السيارة وهو المكتب وهو العمل، وفوق هذا كله هو مكان الترفيه والتسلية وفيه قرآننا واتجاه قبلتنا والتذكير بموعد صلاتنا، وصار الذي لا يستخدم الهواتف الذكية اليوم كأنه يعيش خارج الزمن، ووصل الحال ببعض المستخدمين أنه يمشى ورأسه للأسفل طول اليوم، ويصل للمكان الذي ذاهب له وهو لا يدري أو ينوى الذهاب لمكان ويكتشف نفسه أنه وصل مكان آخر.
فصار الهاتف يديرنا ويدير حياتنا ويدير نفسيتنا وطريقة تفكيرنا حتى صار عند كثير من الناس بما يعرف «بهوس الهواتف الذكية»، والبعض يمشي وبيده أكثر من هاتف، فالصيام الرقمي يعنى أن يصوم المستخدم للهاتف عن التعامل مع الهاتف والدخول في الشبكات الإجتماعية كما يصوم ويمتنع عن الطعام والشراب وارتكاب المحرمات، ومن مفاهيم الصيام الإمتناع عن ضياع الوقت وتفويت الطاعات وتأجيل الأعمال التي يحب أن يراها الله تعالى في رمضان المبارك.
ولهذا أقترح أن يكون لكل واحد منا سياسة خاصة في التعامل مع الهاتف الذكي في شهر رمضان، حتى لا يفوتنا أجر هذا الشهر الكريم بقراءة القرآن وإحياء عبادة التفكر والتدبر بالعبادات وصلة الأرحام على حساب الإدمان علي الشبكات الإجتماعية قراءة وتفاعلا في أمور لا تغنى ولا تسمن من جوع، ويعجبني من يوظف الهواتف الذكية في رمضان لقراءة القرآن والتواصل مع الأرحام والتذكير بمواعيد الصلاة وقراءة الأحديث النبوية والسيرة العطرة، كما لفت نظرى توظيف المؤسسات الخيرية للهواتف الذكية في جمع التبرعات من خلال التنافس بعرض مشاريعها لخدمة الفقراء والمساكين.
ولكن يبقى السؤال المهم كيف أتعامل مع هوس الهواتف الذكية في رمضان ليكون صيامي رقمي؟ والجواب علي هذا السؤال بعمل عدة قرارات مثل تحديد وقت مخصص للنظر في الهاتف، وتحديد أوقات معينة في اليوم لفتح الهاتف، وايقاف التنبيهات حتى لا ينشغل حامل الهاتف عن هدفه الأساسي في شهر رمضان المبارك، لأن الإتصال والتواصل الدائم مع الناس يوتر النفس ويضيع الوقت، فكثير من الناس لا هدف لهم في الحياة، ويريدون أن يضيعوا أوقات الآخرين بسبب فراغهم وعدم استغلال أوقاتهم، فهم سراق للوقت ولصوص للخير فلا تسمح لهم في رمضان أن يفسدوا خطتك في «الصيام الرقمي»، ولا تسمح للهاتف الذكي أن يعزلك عن الناس في الوقت الذي ينبغي أن تتواصل معهم فيه، فقد كنت في زيارة لبعض أرحامي منذ يومين وكان الحضور في المجلس أغلبهم متصل مع هاتفه لا مع من يجلس بجانبه، فما الفائدة من الزيارة إذن؟.
كما أن هناك لحظات ودقائق غالية في رمضان، وهي وقت الإفطار أو قبله بقليل ووقت السحر بالليل ووقت الفجر فهذه أوقات لإجابة الدعاء والذكر والتفرغ للعبادة، إن الصيام الرقمي في مثل هذه الأوقات مفيد جدا حتى نحسن استثمار الأوقات الفضيلة، فالهاتف الذي لا يعين صاحبه علي الدنيا والآخرة لا خير فيه، وإذا كان الهاتف الذكي فقط يعيننا علي دنيانا ولا يعيننا علي آخرته لا خير فيه، ولهذا لابد من تخصيص وقت للهاتف الذكي للتعامل مع الدنيا ووقت آخر للتعامل مع الآخرة عندها يكون استخدامنا للهواتف الذكية صحيحا، حتى يكون شاهدا لنا لا علينا يوم القيامة، فيوم القيام تتحدث الأرض عن أخبارها وتتحدث الجلود والأعضاء فتشهد على أفعال الإنسان، قال تعالى «يومئذ تحدث أخبارها» فالأرض تتحدث عن كل ما عمل فيها وعليها، وقال تعالى «يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون»، فهذا يوم عظيم وخطير لابد أن نستعد له ونحن نتعامل مع الهواتف الذكية، ولهذا فإن الصيام الرقمي في هذا الزمن مهم جدا.