بواطن قلوبنا السقيمة
من مكارم أخلاق زين العابدين ”أللَّهُمَّ لا تَفْتِنِّي بِالنَّظَرِ، وَأَعِزَّنِي، وَلا تَبْتَلِيَنِّي بِالْكِبْرِ، وَعَبِّدْنِي لَكَ وَلاَ تُفْسِد عِبَادَتِي بِالْعُجْبِ، وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدَيَّ الْخَيْرَ، وَلا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ“
لكم هِيَ مرتبةٌ عظيمة ومتقدمة أن يمُن الله علينا بأن يسوق لعباده الخير على يدينا، ولو وعينا حق هذه النعمة لقبّلنا يدَ من قدمنا له المعونة والمساعدة امتناناً بدلاً من انتظار الشكر منه، أراها لعمري منزلةً لا ينالها إلا الخاصة من عباده والخيرةُ من خلقه، ولكن في الغالب نفسنا البشرية الوضيعة ومستوى تفكيرنا الضحل يُمحقُ هذه النعمة بالمن والكبر بدلاً من الحمد والشكر.
إحدى المقولات الجميلة المنسوبة إلى شكسبير تقول ”السمعة أكثر الخدع زيفا وبطلانا، فهي كثيرا ما تكتسب دون وجه حق وتُفقد دون وجه حق“ فلا غرابة أن تكون هذه إحدى مواطن الابتلاء والاختبار التي نمر بها جميعنا ليرى الله هل نجحنا فيها أم فشِلنا، وهذا يكون في الغالب مصاحب لبعض السعة والزيادة بالرزق، ولطالما كُنت أرى جلياً أن ابتلاء السعة بالرزق أصعب بكثير من ابتلاء الفقر وقلة الحيلة.
ينتجُ ذلك لدينا نوع من الغرور والنظرة الفوقية للآخرين ليزداد سخط الباري علينا وهو المطلع على ما في قلوبنا وسرائرنا، حيث ربما يكون الظاهر من سلوكنا وتعاملنا مع من تفضل الله علينا بخدمتهم وتقديم المعونه لهم طيباً طاهراً من الكلام الحسن والمعاملة الراقية المتواضعة في الوقت الذي تكون فيه قلوبنا مزهوةً بالفضل مملؤةً بالمن ومغلفةً بالأفضلية وحسن المقام على الآخرين، ظانين بأننا ممن ظفروا بعمل الصالحات حين أقسم الله بذلك في العصر، وواقع الحال أننا ممن خسروا خسراناً مبينا.
كُنا نمر بأخلاق أهل البيت مرور قارئي الصحف، لم نطوع أنفسنا ولم نعودها بأن نُحدِث لها ذِلة باطنةً بمقدار العزة الظاهرة التي أنعم الله بها علينا بكل مرة نكون بمقام الثناء الجميل الذي لا نستحق، كما قال الإمام بتتمة الدعاء.
نكرر دائماً موقنين بأن الكبر والغرور ينتج دائماً من عقلٍ فارغ وبصيرةٍ مخبوءة، ونتحاشا الإمعان ببواطن نياتنا وغوائر سرائرنا التي لربما كانت تحمل مستوى أعلى من نفس هذا الغرور والكبرياء الزائف، ولعل بيننا وبين أنفسنا تكون لدينا نفس النظرة من الاستحقار والاستخفاف بالآخرين.. يغيب عنا أننا تعلمنا ومنذ الصغر بأن الأعمال بالنيات.. والنتيجة هي أن يكون حالنا أسوأ بكثير ممكن كانت هذه الصفات واضحةً حاضرةً على سلوكه الخارجي.
اللهم بهذا الشهر الفضيل طهر قلوبنا من الرياء، وأعمالنا في الخير من المن.. أنر بصيرتنا وأجعل بواطن نفوسنا نقيةً ومرآةً إلى ظواهرنا وسلوكنا.. إلهي أكرمنا بحاجة عبادك لنا، واجرِ على أيدينا الخير لهم.. وأجعلنا عندك في مقامٍ محمودٍ يا كريم.