لم خلقنا
من مكارم أخلاق زين العابدين ”أللَّهُمَّ وَاكْفِنِي مَا يَشْغَلُنِي الاهْتِمَامُ بِهِ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ، وَأَغْنِنِي وَأَوْسِعْ عَلَىَّ فِي رِزْقِكَ“.
حاشا لله أن يخلق شيئا عبثا، وكلام الإمام هنا يؤكد بأن الله خلق كل واحد منا لغرض ما، للقيام بدور معين ولأداء رسالة خاصة به خلال فترة حياته، ولربما تكون هذه هي الغاية الرئيسية والاختبار الحقيقي لكل واحد منا. السؤال الذي لطالما أرهقني وأدخلني في دوامة من الحيرة، وهو السؤال الذي يتكرر ويتجدد بكل فصل من فصول حياتنا، وبكل مرة تختلف فيه احتمالات الإجابة عليه - هو «ما هي الغاية من خلقي؟»
أستحضر مرة حضرت فيها مقطعا لأحد المتحدثين ببرنامج تيد توك الشهير لشخص يدعى آدم ليبزيق - شخص بسيط جدا وربما لا يملك شيئا من العلم والشهر يشار له بالبنان - يشرح فيه بطريقة سهلة جدا وفي غضون خمس دقائق الغاية من وجودنا How to know your life purpose حيث لخص كلامه في أن الغاية من وجودنا تكون من خلال التعرف على ما هو أكثر شيء تتقنه، ومن ثم القيام بتعليم ما أتقنت للآخرين! كلام بسيط وعميق بنفس الوقت يسوقني لبيت من شعر سيد البلغاء يقول فيه:
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم
على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حيا ً به أبدا
الناس موتى وأهل العلم أحياء
حيث إن الغاية الوجودية لكل منا ربما تكون هي قدرة الذي يحيا به «وقدر كل امرئ ما كان يحسنه» وبالتالي من الممكن أن نصل لنفس النتيجة، حينما يمن الله عليك بشيء من العلم أو الحكمة أو حرفة أو صنعة ما يكون مقدرا لك أن تنقلها للأجيال من بعدك ويكون ذلك هو الغاية الأساسية من وجودك في رحلتك البسيطة بالحياة على كوكب الأرض، وبالتالي من يفشل في القيام بالدور الذي خلق من أجله هو ذلك الذي لم يحرز علما يستطيع نقله للأجيال التي تليه.
لست جازما بهذه النظرية ولكن خاطرة خطرت على قلبي والله وحده العالم بحقائق الأمور، ولكن ما يحزنني بمقام الطلب بالدعاء هو الطلب من الله أن يستفرغ أيامنا لما خلقنا من أجله، وأغلب الضن بأن أيامنا مشغولة وربما تكون متخمة بالقيام بأشياء بعيدة كل البعد عن الغاية الوجودية لنا جميعا، وأخوف ما أخاف منه أن أكون ممن وصفهم الباري ب ”قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا“.
إلهي ببركة هذا الشهر الفضيل أسألك أن تسلك بنا سبل الرشاد والحكمة... إلهي لا تجعلنا ممن انتهت مسيرة حياتهم ولم يعوا الغاية والرسالة من وجودهم أو لم يؤدوا الدور الذي خلقوا من أجله... اللهم إن كنا شغلنا أوقاتنا بما يبعدنا عما هو مقدر لنا فاستفرغ أيامنا لما يقربنا منه... اللهم إنا نسألك الهداية والصلاح والنجاح... إنك على كل شيء قدير.