شهر التوبة 2
التسليم المطلق للخالق، والاعتراف بالذل الكبير، والالتزام بالشرائع والفرائض، من النعم الكبيرة التي حباها الخالق للإنسان، فهذه النعم الكبرى تتطلب الحمد الدائم، ف ”من حمد الله على النعمة فقد شكره“، وبالتالي فإن المسلم ينبغي أن يضع نصبه عينيه الكرم الإلهي الدائم، خصوصا وان الكثير من البشر محرومون من التمتع بهذا الفيض الإلهي، الأمر الذي يتجلى في التخبط الدائم عبر الإقدام على ممارسات تتجاوز حدود الله، وكذلك لا ارتكاب اعمال تنسجم مع مقتضيات العقل البشري.
الهداية الإلهية لا يمكن حصرها في جانب دون آخر، فالثبات على الاستقامة، وعدم الانزلاق وراء المغريات على اختلافها، تبقى مصداق صغير على الهداية الربانية للإنسان، لا سيما وان عملية الاستقامة ليس منفصلة عن الكرم الإلهي الواسع، ”برحمتك أستغيث فأغثني ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، وأصلح لي شأني كله“، فالتوفيق على أداء العبادات الظاهرية، والباطنة نعمة كبرى، تتطلب الشكر والحمد على الدوام من الإنسان، حيث تتجلى ضرورة الحمد والشكر لدى الإنسان المسلم، فالمرء يمتلك نعمة كبرى ليست متاحة للكثير من البشر، وهي الهداية للإسلام، ودين التوحيد ﴿بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين﴾.
التوفيق الرباني لأداء فريضة الصيام إحدى النعم الكبرى، التي ينبغي الشكر الدائم عليها، لاسيما وان بلوغ الشهر الكريم والتمتع بالصحة والعافية، نعمة لا تقدر بكنوز الدنيا على الإطلاق، ف ”إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم“، خصوصا وان أبواب الجنان مفتوحة للصائم، للحصول على الثواب الجزيل، حيث يتجلى الكرم الإلهي والتوفيق الرباني خلال الشهر الفضيل، في توزيع الأجر والثواب دون حدود ”أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاءكم فيه مستجاب“، وبالتالي فإن الصائم مطالب بأداء الجزء اليسير من الشكر، واستمرار الحمد على نعمة بلوغ شهر الخير والغفران.
ترجمة الحمد للخالق ليست مقصورة على الأذكار والأدعية المتعددة، وإنما هناك مساحة واسعة من الممارسات لإظهار الحمد على السلوك الإنساني، خصوصا وان الصوم يظهر الجانب العاطفي لدى الصائم، تجاه الطبقات الفقيرة وكذلك تجاه الأقارب، فضلا عن التفاعل الإيجابي مع الوسط الاجتماعي، مما يدفع باتجاه تحريك عنصر الخير في النفوس، فالدعاء يشكل أهمية وضرورة في جميع الأوقات، ”فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عنكم، وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم“، بيد ان إظهار التكافل الاجتماعي يشكل أهمية كبرى، لاسيما وان الوقوف بجانب الفئات الفقيرة أحد أهداف فريضة الصيام ”وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم“، وبالتالي فإن السلوك تقويم السلوكي الأخلاقي، وتعزيز الطهارة الذاتية، إحدى الثمار الكبرى التي تغرزها فريضة الصيام في النفوس.
إدراك الصائم بنعمة شهر رمضان المبارك، خطوة أساسية على الإقرار الدائم بحجم النعمة، والتوفيق الإلهي، فالصائم لا يعلم هل تمتد هذه النعمة إلى يوم العيد، أو يسلم الروح إلى خالقها قبل الاحتفال بالتوفيق الرباني لأداء الفريضة كاملة، الأمر الذي يستدعي الحرص على القيام بالممارسات المطلوبة، والابتعاد عن الأعمال ذات الضارة بالصيام، حيث يقول الإمام السجاد في دعائه ”الحمد الله: الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله“، بمعنى آخر، فإن معرفة الصائم بحقيقة فريضة الصيام تدفع باتجاه الإخلاص الدائم، لأدائها على الوجه المطلوب، لتفادي الوقوع في ممارسات تحرمه من نعمة الفكاك من النار والدخول في الجنة، ”أسألك فكاك رقبتي من النار“.
وكان من دعاء الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين - - إذا دخل شهر رمضان ”الحمد لله: الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، لنكون لاحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزآء المحسنين“.