أفكار اجتماعية ونفسية لرمضان
شهر رمضان شهر الخير والبركة وهو شهر الإجتماع العائلي والفرحة الأسرية، فكلنا شوق لاستقبال هذا الشهر الكريم فهو ضيف عزيز وزائر خفيف يحمل لنا الهدايا الكثيرة فأوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ثم يكافأنا بالعيد والفرح عند رحيله.
فرمضان شهر التغيير فيه نزلت الكتب السماوية الزبور والتوراة والإنجيل وكان آخرها القرآن وفي رمضان تصفد الشياطين وتغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنة وينادي منادي يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، والنفوس في رمضان تتغير والأخلاق تتبدل ونسبة الصبر عند الناس تزداد والإرادة تقوى ويزيد الكرم والعطاء في شهر الخير والبركة.
كما نلاحظ امتلاء المساجد في رمضان وكثرة قراءة القرآن وختمه وتكثر الأحاديث الدينية بين الناس وتغير المحطات الفضائية خرائطها التلفزيونية، كل ذلك من أجل رمضان فرمضان ليس شهرا عاديا فهو خير الشهور ولهذا اختاره الله تعالى فأنزل فيه القرآن «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان».
فرمضان أشبه بمهرجان عالمي للمسلمين يدفعهم نحو التغيير فكل شيء يتغير في رمضان حتي مواعيد النوم والأكل والعمل وفتح الأسواق واغلاقها ولهذا سمى الرافعي شهر رمضان «مدرسة الثلاثون يوما» ففي رمضان تقل المعاصي وتزداد الطاعات ومن لم يستثمر هذا الشهر في تغيير ذاته وأخلاقه وعلاقاته وعباداته ويصحح نيته فهو الخسران ولهذا قال رسولنا الكريم «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر» فهذا الصنف من الناس لم يدفعه رمضان لتطوير ذاته وتزكية نفسه، لأن الأصل في رمضان أن يساعدنا لتنمية أرواحنا وأجسادنا وأن نوازن بينهما، أما من يخدم الجسد فقط فهو لم يستفد من رمضان بشيء ويتحقق فيه قول القائل «ياخادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران».
أما الزوجان فيمكنهما الإستفادة من رمضان في مراجعة علاقتهما ببعضهما البعض ومناقشة جوانب النقص والسلبية في حياتهما، واستثمار هذا الشهر بوضع خطة زوجية لتجاوز السلبيات وتعزيز الإيجابيات وكذلك يستثمرا هذا الشهر الكريم في العمل الخيري والنشاط الإيماني مثل صلة الأرحام وبر الوالدين والتواصل مع الجيران وقيام الليل وقراءة القرآن وكفالة اليتيم ورعاية الأسر وغيرها من أعمال البر.
أما الوالدين فيستفيدا من هذا الشهر بكثرة الجلسات العائلية وخاصة جلسة الإفطار أو الجلسات الليلية والحديث مع أبنائهم في معاني تربوية أو دينية، وأعرف عائلتين الأولى خصصت كتاب رياض الصالحين تقرأ منه كل يوم صفحتين وأخرى اعتمدت كتاب في السيرة النبوية لقراءته في شهر رمضان كما وأعرف عائلة ثالثة استثمرت هذا الشهر بتعليم أبنائها حساب الزكاة وكلفت الأطفال بتوزيع الزكاة والدخول إلي بيوت الفقراء والمحتاجين والتعرف عليهم ودراسة أوضاعهم الإجتماعية.
فالرابح في رمضان من يحدد له هدفا أخلاقيا لتحقيقه إما خلق سلبي يريد التخلص منه أو خلق ايجابي يريد الإلتزام به فمن ابتلي بالتدخين يسعى للتخلص منه ومن كان له علاقة محرمة بالنساء يمكنه استثمار رمضان في تغيير سلوكه والفتاة الغير محجبة تضع لنفسها هدفا بأن تكمل دينها بحجابها ومن يأكل الربا يتوقف ومن لم يتبرع لنصرة المسلمين يخصص جزء من ماله لذلك ومن يرغب بحفظ القرآن أو دراسة السيرة أو انقاص وزنه يجعل رمضان بداية التغيير في حياته.
فالصيام كما قال أبوحامد الغزالي رحمه الله ثلاثة مراتب: الأول صيام الجوارح والبطن والفرج عن الشهوة والثاني صيام السمع والبصر والرجل واليد واللسان عن الآثام والثالث صيام القلب عن الهمم الدنيئة ونحن لا نريد أن نكون من الصنف الأول فقط وإنما نكون ممن يصوم صوما صحيا قلبا وقالبا.
ولعل أعظم رسالة نتعلمها من مدرسة رمضان هي الترفع عن الشهوات وأن لا نكون عبيدا لشهواتنا كما قال الشاعر «إنما الدنيا طعام وشراب ومنام فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام» فلا نقبل لأنفسنا هذا المنطق وهذه النظرة فرمضان يعلمنا التوازن بين الجسد والروح بل ويقوي علاقتنا بالله تعالى ولهذا «ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الصائم حتى يُفطِر، والإمام العادِل، ودعوة المَظلوم...» لأن الصائم قريب من الله وتقبل الله طاعتكم مقدما ولنجعل من رمضان فرصة لتقوية علاقاتنا الإجتماعية والنفسية.