آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

موسم النصائح

محمد أحمد التاروتي *

مع اقتراب شهر رمضان المبارك ”تفيض“ وسائل التواصل الاجتماعي، بجيش من النصائح المجانية، حيث تخرج المواهب والاختصاصات المدفونة للعلن بشكل مفاجئ، فتارة تكون هذه النصائح ذات مغزى علمي، حيث تهدف لتقديم المشورة المجانية للصائمين، وتارة أخرى تكون أضرارها أكثر من نفعها، نظرا لصدورها من أشخاص غير مختصين، الأمر الذي يتسبب في الكثير من المشاكل على الصعيد الاجتماعي.

تعج وسائل التواصل منذ أيام قلائل بسيل وافر من النصائح المجانية، فهذه النصائح لا تقتصر على جانب واحد، ولكنها تشمل العديد من الجوانب، حيث ينشط أصحاب النصائح المجانية في استخدام أفضل الطرق، لتوسيع نطاق الانتشار الواسع، من خلال ابتكار العديد من الأساليب التسويقية الهادفة، لاستقطاب أكبر شريحة من المجتمع، إذ تبدأ النصائح باقتحام الخصوصية للأفراد مع إطلالة الشهر الفضيل، الأمر الذي يتسبب في العديد من الإشكالات، والمزيد من الامتعاض لدى الكثير من أفراد المجتمع.

تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أساسي، في ترويج تلك النصائح المجانية، نظرا لقدرتها على الانتشار في غضون دقائق محدودة، الأمر الذي يحقق الغايات المرسومة لإطلاق تلك الوصفات ”الطبية“ أو ”الأخلاقية“ أو ”النفسية“ المجانية، فالنصائح لا تقتصر على الإطار الطبي، ولكنها تشمل الكثير من المجالات الأخرى، وأحيانا تقتحم الجانب الشرعي، لا سيما وان عملية ضبط إيقاع تلك النصائح المجانية من الصعوبة بمكان، انطلاقا من توافر وسائل التواصل الاجتماعي لدى الجميع في الوقت الراهن، مما يدفع البعض لمحاولة الدخول في لعبة ”النصائح المجانية“.

اللهفة الكبيرة المصاحبة لقراءة كافة ما يتعلق بالصيام، تشكل أحد المحركات الأساسية وراء انتشار هذه النصائح المجانية، حيث يمثل شهر رمضان موسما خصبا، لترويج الكثير من المفاهيم المغلوطة، وكذلك النصائح ”القاتلة“، نظرا لصدورها من شخصيات غير قادرة على تقدير الخطورة المترتبة، على ترويج النصائح على النطاق الواسع، فالانتشار الواسع لتلك النصائح وانتقالها إلى آخر نقطة في العالم، يحفز هذه الأطراف على ممارسة هذه اللعبة بشكل سنوي، انطلاقا من قناعات خاطئة ليست قادرة على الصمود أمام الحقائق العلمية.

امتلاك بعض المعلومات ليس مبررا لإطلاق النصائح المجانية على النطاق الواسع، خصوصا وان هناك مخاطرا كبيرة على الصحة العامة، وكذلك تترك تداعيات خطيرة على التركيبة الاجتماعية، نظرا لوجود عناصر تأخذ المعلومات المتناقلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كحقائق علمية، مما يدفعها للعمل على تطبيق على الواقع، الأمر الذي يتسبب في حدوث انعكاسات مدمرة على الصعيد الفردي والاجتماعي، بمعنى آخر، فإن استغلال شهر رمضان بطريقة سيئة، يجلب الكثير من الويلات، والكثير من التداعيات على الإطار الاجتماعي، فالعملية ليست في القدرة على الانتشار الواسع للمعلومات المغلوطة، ولكنها تكون في النتائج المترتبة، على إطلاق تلك النصائح المجانية، باعتبارها وسيلة لتدمير الواقع المعاش بطريقة غير عقلانية.

انعدام المسؤولية الذاتية، وعدم التفكير من التداعيات المستقبلية، تدفع باتجاه الإمعان في ممارسة لعبة النصائح المجانية، فالرغبة في الظهور تشكل دافعا قويا في إطلاق النصائح على الإطار العام، بحيث يتجلى في الكثير من الممارسات العلنية، وكذلك عبر توظيف الظرف الزماني، في توسيع نطاق النصائح المجانية، فهذه الأطراف تعرف قدرة الشهر الفضيل على استقطاب اهتمام الكثير من الشرائح الاجتماعية، والركض الدائم لتلقي الكثير من المعلومات المتعلقة بفرضية الصيام، مما يدفعها للتحرك في الاتجاهات المختلفة للاستفادة من التعطش الاجتماعي تجاه بعض المعلومات، بهدف ترويج الإشاعات سواء كانت ذات مصداقية، وتستند على الحقائق العلمية، أو غير مدعومة بالمصداقية العلمية، فالعملية لا تعدو عن كونها ”هواية“ تضليل البيئة الاجتماعية، بطرق متعددة للحصول على ”الرضا“ الذاتي، وتكريس الظهور على حساب الاستقرار الاجتماعي، والنفسي بالمجتمع.

كاتب صحفي