الأمانة...
هل القوائم المالية تعكس الوضع الصحي الحالي للشركات والبنوك؟
وإذا كان الجواب: نعم. فكيف تفسر لنا وكما نرى إعلان انهيار بنوك وشركات بعد عدة أيام من إصدار شهادات وتقارير بأن ذاك البنك الأفضل أداء وتلكم الشركة الأحسن كفاءة؟!!!
هل كشف الدرجات المدرسية يعكس الوضع الصحي للطالب؟
وإذا كان الجواب: نعم. فكيف تفسر لنا وكما نرى إخفاق عدد ليس بالبسيط من الطلاب في مراحل دراستهم الأكاديمية رغم أن معدلات ونسب درجاتهم عالية جدا في المرحلة الثانوية؟!!!
كل ذلك يعتمد على الأمانة التي يرصد بها الإنسان القراءات والتي توضع بها المعايير والتي تمنع منها الغش والتدليس والتزوير والمجاملة والتلفيق.
إذا لماذا نعتمد المعايير لقياس العلامات الصحية في بدن الإنسان مثل الضغط ومعدل السكر ونسبة الأملاح كانعكاس صادق للوضع الصحي والبدني للإنسان.
بكل بساطة: أجهزة الإنسان الداخلية مثل معدل نبض القلب في الدقيقة ومعدل السكر التراكمي والكوليسترول في الدم ونسبة الأملاح في البول وإنزيم عصارة الأمعاء تخبرك عن مستوى أداء وظائف القلب والبنكرياس والكبد والمعدة والكلى بكل أمانة وصدق. ومن دون أي تدليس أو غش أو مجاملة أو تلفيق، حتى مع عدم وجود جهة خارج الجسم للرقابة أو التفتيش لأن بعض المفتشين قد يكونون مرتشين وبعض المراقبين غير مؤهلين، إلا أن أعضاء الجسم تعمل بكل أمانة.
شخصيا، أتجول بين الحين والحين الآخر في العالم الافتراضي لاستقراء واقع العالم الحالي اجتماعيا واقتصاديا لمدن وضواحي مدن ودول كنت مقيما فيها أو زائرا لها أو سائحا فيها. في الوقت الذي كنت أفتخر بحجم التمدد العمراني وتكاثر ناطحات السحاب في بعض تلكم المدن، إلا أنني انصدم من تسارع معدل انتشار الجريمة وتكاثر انتشار الرذيلة والانفلات الأخلاقي وانتشار المخازي، وكأن تلكم الأمور مصداق الآية الكريمة ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس﴾ - الآية 41، سورة الروم.
جميع أهل الأرض في العالم كافة بحاجة لأهل الأمانة في الإنشاء والتعمير والصيانة والعمل والقضاء والتعامل والبيع والشراء والإدارة والرقابة والتعليم والصحة وتفعيل الأنظمة وإعداد الطعام وتجهيز المعدات. والواقع الملموس أن مقاييس الأمانة في كثير من التطبيقات الهندسية والإدارية والتشغيلية والإنشائية ذوبت من قبل البعض بسبب اختراق هل المعصية وانعدام روح التقوى في قلوب البعض منهم. حتى شاعت مصطلحات سيئة جديدة عدة مثل: غسيل الأموال وأكل الأموال بالباطل والتحايل والنصب وتهكير الحسابات البنكية والرقمية والتخريب والتزوير والانتحال لهوية الآخرين وانعدام الضمير وقلة الحياء والمجاهرة بالخبث ومدح أهل الدهاء والتزلف لأهل البغاء والتملق لأهل العنف في بعض بقع العالم. فتم تصوير الفاجر من قبل البعض وأدبياتهم على أنه فنان مبتكر. وتم الدعاية لمن نكث العهود والمواثيق على أنه داهية ومثال يحتذى به. فأعان الله بني البشر من جور بني البشر.
ولكوننا على أبواب شهر رمضان الكريم، فمن الجميل أن نبادر كل حسب محيط تأثيره في غرس وتجذير مفاهيم الخير والصلاح والفضيلة في أنفس أبناء الجيل الصاعد قبل أن يسبق أهل الشر ويفسدون أبناء الأجيال الصاعدة. نعم مهمة تربية الأبناء في هذا الزمان شاقة بسبب تداخل عوامل مؤثرة عدة إلا أن تضافر الجهود والمشاركة بالتجارب أمور مهمة لأن أداء الأمانة أمر يتطلب الكثير الكثير من الجهود التراكمية. فأداء الأمانة إيمان.