هل يمكن أن تساعدنا القراءة على معالجة وشفاء مشاعرنا المؤلمة؟
هل يمكن أن تساعدنا القراءة على معالجة وشفاء مشاعرنا المؤلمة - أم أن هذه مجرد حكاية نحدث بها أنفسنا؟
بقلم جين تيرنر غولدسميث، طالبة دكتوراه في الكتابة الإبداعية، جامعة أديلايد
22 يناير 2023
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 78 لسنة 2023
?Can reading help heal us and process our emotions - or is that just a story we tell ourselves
Jane Turner Goldsmith PhD candidate، Creative Writing، University of Adelaide
January 22,2023
أقدم مكتبة معروفة [1] ، يعود تاريخها إلى الألفية الثانية قبل الميلاد في طيبة في مصر، ورد أنها كانت تحمل لافتة فوق بواباتها باللغة اليونانية وترجمتها: ”مكان لشفاء الروح“. فكرة أن القراءة قد تضفي فوائد صحية ليست فكرةً جديدةً، ولكنها لا تزال تثير فضول القراء والباحثين.
بالطبع، هذا لا ينطبق على قراءة كتيب ارشادي في طريقة نصب الخيم، أو كتيب ارشادي عن ترتيب الأغراض المنزلية المتكدسة. عندما نتحدث عن الكتب التي قد تقدم بلسمًا للروح، فإننا نعني كتب الخيال والشعر والروايات غير الخيالية «بما في ذلك المذكرات الشخصية».
فكرة التنفيس الوجداني [2] من خلال القراءة تعتبر فكرة جذابة من الناحية البديهية. لكن هل هي كذلك؟ أم نقرأ من أجل الاهتمام أو المتعة أو الهروب من الواقع [3] - أو حبنا للمفردات؟
القراءة هي بمثابة التنفيس الوجداني والانتقال
”إن أقصى ما يطمح إليه الأدب هو اثارة الجمهور،“ كما يدعي جورج سوندرز George Saunders «أحد الكتاب وله تسعة كتب [4] ». الذي لا يزال غير متأثر بالرواية الأولى التي أثرت في الجمهور على المستوى الخلوي - سواء أكانت تلك الرواية هي رواية صبي العاصفة Storm Boy [5] » أو رواية الأمير الصغير The Little Prince[6] أو رواية القراءة "لتقتل طائرًا بريئًا To Kill a Mockingbird[7] في المدرسة الثانوية؟
وفقًا لمؤلفي العلاج بالرواية: العلاج بسرديات أدبية من الألف إلى الياء [8] ، تمتلك الروايات القدرة على نقلك إلى وجود آخر، وأن ترى العالم من وجهة نظر مختلفة [...] أحيانًا تكون السردية هي التي تسحر؛ وأحيانًا يكون إيقاع النثر هو الذي يؤثر في النفس، سواء أكان مهدئًا أم مثيرًا.
يسعى البشر لتقليد «محاكاة» العالم أو يعيدون تمثيله عبر الفن: الشعر والدراما والملحمة. هذا الدافع، كما زعم أرسطو[9] ، هو ما يميز البشر عن الحيوانات.
في عام 1987 اقترح جيروم برونر Jerome Bruner أن ”بناء العالم [كتابة روايات الخيال]“ هو ”الوظيفة الرئيسة للعقل“ في كل من العلوم والفنون. نحن كبشر منجذبون إلى زخم السرد لنكتب سردياتنا، كما يقول [10,11].
نسعى لنفهم ما يحدث في حياتنا، كما لو كانت الحياة في الواقع عبارة عن مسرحية ثلاثية الأطوار [12] بقوس / منحنى سردي [13] واضح. «يمكن تلخيصه بشكل مناسب على النحو التالي: ”اصعد به أعلى الشجرة؛ ارمه بالحجارة؛ ثم أنزله منها“».
كيف تجري عملية القراءة
القراءة هي إحدى الوسائل التي نسعى بها لفهم عوالمنا. باحثو علم النفس التطوري يفترضون بأن الدماغ ”مصمم للقراءة“، تمامًا كما هو مصمم للغة أو التعرف على الوجوه أو الدوافع الأخرى. القراءة تشغل كلاً من العمليات / الوظائف المعرفية [14] والمشاعر - خاصةً عندما يكون هناك سردبة.
يجب على الأطفال الذين يتعلمون القراءة أولاً فهم أساسيات التعرف على الكلمات [15] «وحدة خطية / غرافيم [16] - وحدة صوتية / فينوم [17] » ثم الانتقال إلى المهارة المعرفية العليا [18] لفهم معنى النص «الدلالات».
في ذلك المستوى التالي من صنع المعنى [المترجم: صنع المعنى هو كيفية تفسير الأشخاص، أو فهمهم لأحداث الحياة، والعلاقات، وأنفسهم [19] ]، التي تربط بينها الكلمات وتثير المشاعر. قد يكون هذا الخوف «رواية فرانكشتاين [20] »، أو الحب «رواية الفخر والازدراء [21] »، أو الغضب «الرواية الجدلية لجيرمين غرير Germaine Greer، أو رواية المرأة المخصية [22] » أو القلق الوجودي «رواية الغريب لألبرت كامو الفلسفية [23] ».
لكن كيف ”تجري“ هذه العملية؟ أو، على حد تعبير جورج سوندرز: ”كيف يستدرج [الكاتب] ويقنع ويجبر بخاطر القراء ويشتت انتباههم؟“
القراءة بين الفجوات: كيف تدعونا اليها
صنع المعنى [19] قد يحدث بشكل مباشر وذلك باكتساب المعرفة «على سبيل المثال، عند قراءة كتيب ارشادي في نصب الخيم» أو بشكل غير مباشر، من خلال تفاعلنا مع العالم الاجتماعي والفن وقدراتنا على صنع المعنى [19] .
الأعمال الفنية تدعو إلى التفكير والتصور وابداء الرأي والتفاعل مع المشاعر. هذا ”التواصل غير المباشر“ للأدب هو أحد المزايا «أو الفوائد» الفريدة التي يقدمها للقراء [24] .
صنع المعنى هو صفقة بين المؤلف والنص والقارئ. ”الفجوة“ بين الكلمات وتفسير القراء، والتي تؤثر فيها تجاربهم وميولهم ونزعاتهم، تُعد أمرًا بالغ الأهمية. وبالتالي، قد يسعى المؤلف إلى اثارة القراء - ولكن ما إذا تمت إثارة القارئ سيعتمد ذلك على ظروفه وميوله ونزعاته الفردية. «من بين هذه الأشياء، مهارة الكاتب ليست أقلها بالطبع.»
نوادي الكتب [هي نوادٍ ترسل إلى أعضائها كتبًا بشكل دوري] حيث يمكن أن تكون المناقشات المحتدمة مثارة بطريقة تجعل الكتبُ وشخصياتهُا القراءَ شاعرين بها، هي مثال رائع. وكذلك الحال بالنسبة لموقع شبكة غودريدز Goodreads[25] ومنصة بوك توك #BookTok [26] ، وهو قطاع من قطاعات تك توك TikTok حيث تهيمن فيه الكتب التي تجعل القراء يتفاعلون مع المشهد ويذرفون الدموع.
كما يقول فلانيري أوكونور Flannery O’Connor، ”يمكن للكاتب أن يختار ما يكتب عنه ولكن لا يمكنه اختيار ما يمكن أن يجعل ما يكتبه مثيرًا“. بمعنى آخر، بعض الكتب دائمًا تتكلم مع بعض القراء [وذلك بإثارتها لهم]. وهذه الكتب نفسها تترك قراء آخرين غير متفاعلين معها - أو حتى تجعلهم نادمين على انضمامهم إلى نادٍ من نوادي الكتب.
مقطع فيديو: قد يرغب المؤلف في تحريك مشاعر القارئ ويجعله مليئًا بالحيوية، لكن ردة فعل القارئ الانفعالية - سواء أكانت حزنًا أم غضبًا أم عدم مبالاة - هي ردة فعل خاصة بالقارىء نفسه.
ماذا يفيدنا علم الأعصاب عن القراءة
فيرجينيا وولف Virginia Woolf ألفت كتاب ”القراءة مراءة الروح mirrors of the soul“ [27] وقد أثبت علماء النفس العصبي المعاصرون ذلك من خلال دراسات تصوير الدماغ.
لقد أثبتت هذه الدراسات أنه عندما يمر الشخص بشكل غير مباشر بحدث مقترن بعاطفة / بانفعال، تشهد نفس مناطق الدماغهذه نشاطًا كما لو كانت قد مرت بنفس الحدث مباشرةً.
نشعر بالاشمئزاز، سواء اكتشفنا «أو تناولنا بعضًا» من الدود في شطيرة لحم أو شاهدنا فيديو تك توك TikTok لنفس الحدث. تنشط نفس منطقة الخوف في الدماغ عندما نسير على حبل مشدود في شكل محاكاة للواقع الافتراضي، أو عندما نسير نحن أنفسنا على حبل مشدود «لا تحاول هذا المشي الخطر في البيت». تجعلنا الخلايا العصبية المرآتية نتثاءب أو نبتسم أو نتجهم عندما يتثاءب شخص آخر أو يبتسم أو يتجهم أمامنا.
مقطع فيديو: يُثار الخوف نفسه في منطقة الدماغ عندما نشاهد أحدًا يسير على حبل معلق على ارتفاع عالٍ، كمشي فيليب بيتي في هذا الفيديو أو نقرأ عنها أو حتى نفعلها بأنفسنا.
الشخص الآخر - البطل، في الرواية - يمكن أن يكون خياليًا تمامًا، القصة زائفة تمامًا: لكنها مع ذلك تجعلنا نذرف الدموع. منْ مِنَّا لا يذرف دموعًا حقيقية عندما تحل مأساة بشخصية مفضلة في الرواية؟ «بالنسبة لي، مشهد موت الجندي سيبتيموس الذي أصيب بصدمة القصف في الحرب العالمية الأولى في رواية السيدة دالواي Mrs Dalloway للكاتبة فيرجينيا وولف [28] ».
سيكولوجية قصص الخيال
يوضح برفسور السايكولوجيا الفخري والمؤلف بجامعة تورنتو كيث أوتلي Keith Oatley أن قراءة الروايات تتيح لنا ”محاكاة“ عالم اجتماعي حيث نتعرف على الشخصيات ومعاناتهم ونستطيع مراقبة طريقتهم في حل الخلافات.
بهذه الطريقة يمكننا معالجة المحتوى العاطفي اجرائيًا وحل مشكلات الحياة بشكل غير مباشر. وتعتبر أكثر فاعلية من تلقيننا الحل! أثبت البحث الذي قام به أوتلي أيضًا أن انخراط القراء في قراءة روايات الخيال «خاصة أدب الخيال» يحسن من تقمصهم الوجداني [29] وقدرتهم على تقمص منظور الشخص الآخر «وهذا ما يشار إليه ب ”نظرية العقل [30] “».
”بالقراءة نستطيع أن نؤثر ليس في حياتنا فحسب بل في حياة الآخرين أيضًا“ كما يشير أوتلي.
بهذا المعنى، بإمكان القراءة أن تدفعنا إلى فهم حياة الآخرين الداخلية كما نفهم حياتنا. بإمكان القراءة أن تساعدنا حتى على تخيل سردية أحداث مضت في حياتنا - خاصة إذا لم نكن سعداء بحياتنا التي عشناها بالفعل. بهذه الطريقة، يمكن للقراءة أن تتيح لنا الهروب من الواقع [3] وتوفر لنا طريقة لتصور «وربما للبدء في تخطيط» طرق عيش بديلة.
تجادل ليزا زونشاين Lisa Zunshine في كتابها لماذا نقرأ قصص الخيال: قراءة قصص الخيال تساعدنا على تصنيف مشاعرنا وتصوراتنا بنحو جديد ودقيق [...] وتساعد على خلق أشكال جديدة من المعنى لوجودنا اليومي. بصرف النظر عن الفوائد العملية لهذا النوع من التمارين المعرفية / الادراكية والمشاعرية لتنشيط الدماغ، تقول زونشاين إن أكبر مبرر لقراءة قصص الخيال هو الاستمتاع بالقراءة ذاته.
هل القراءة تعتبر تنفيسًا وجدانيًا؟
كتب مارسيل بروست Marcel Proust أن الروائي يمكنه، في غضون ساعة، ”أن يطلق العنان لكل أنواع السعادة ويحررنا من التعاسة التي قد تستغرق سنوات من حياتنا العادية حتى نأتي على معرفتها“. تسمح لنا القراءة، كباعث متأصل فينا وشكل من أشكال الانخراط في الفن بمعالجة مشاعرنا المؤلمة.
الأهم من ذلك، يمكن أن تتأتى هذه المشاعر المؤلمة بشكل غير مباشر. لا يتعين علينا، على سبيل المثال، السعي وراء علاقة حب محرمة بشكل مباشر وتسوية الفوضى التي أعقبت تلك العلاقة «رواية نهاية العلاقة المحرمة لغراهام غرين»، أو التعامل بمفردنا مع الاغتراب الاجتماعي [31] أو التمييز العنصري «رواية اللون الاوجواني لـ أليس والكر Alice Walker'». يمكننا تخويف أنفسنا دون الاضطرار إلى الدخول في غابة مظلمة.
يمكننا الوصول إلى تجارب غير متاحة لنا في الحياة والاستفادة منها - المشاعر الإيجابية من هذه التجارب يمكن أن تبقى معنا. على سبيل المثال، بإمكاننا أن نحول أنفسنا إلى أبطال وبطلات سحريين / ساحرات أقوياء / قويات ينتصرون / ينتصرن رغم الصعاب «رواية سيد الخواتم [32] ».
يقترح سوندرز أن الفن «بما في ذلك الأدب» قد يكون كالآتي عرض من نوع ما - فرضية لكل من الكاتب والقارئ لتناولها والنظر فيها معًا [...] قد يكون الهدف من هذا العرض هو تسهيل السبل للقاريء؛ للتقليل من صعوبة هذه الحياة عليه. نحاول أن نعطي القارئ طريقة صادقة للتفكير في الحقيقة، نعم، وطريقة قاسية إذا لزم الأمر، ولكن ليست قاسية بلا مبرر، طريقة تفكير تساعده بشكل ما.