الاندفاع المميت
المغامرة سلاح ذو حدين، فتارة تفتح الطريق للحصول على الكثير من المكاسب، من خلال الاستغلال الأمثل للظرف المناسب، وتارة أخرى تكون وبالا وطريقا للوقوع في المصائب الكثيرة، مما يتسبب في الدخول في مسالك يصعب الخروج منها بسهولة.
القدرة على الاختيار المناسب عنصر أساسي، في تجاوز الامتحانات الصعبة، فيما يتعلق بالمغامرة والاقتحام في الأزمات الاجتماعية، فالعقلانية تمثل العصا السحرية لتفادي الوقوع في المشاكل على اختلافها، ”العاقل خصيم نفسه“، خصوصا وان المغامرة تكون مطلوبة في أوقات محددة، ولكنها تصبح انتحارا في أوقات أخرى، مما يفرض انتهاج آليات محددة لاختيار الطريقة، واتباع الأسلوب المناسب، للانخراط بشكل مباشر في القضايا الاجتماعية، بهدف إحداث تغييرات حقيقية على أرض، بحيث تنعكس آثارها الإيجابية على الصعيد الشخصي أولا، والجانب الاجتماعي ثانيا.
القراءة السليمة للواقع المعاش، والتعرف على الخطوط الحمراء، وكذلك المعرفة الدقيقة للإمكانيات الذاتية، عناصر أساسية في تجاوز العديد المطبات التي تواجه المرء، في عملية اقتحام مختلف المجالات الحياتية، خصوصا وان هناك أمورا خافية يصعب الوقوف عليها، مما يستدعي التريث قبل اتخاذ القرارات، تجاه مختلف الملفات على الصعيد الذاتي أو الاجتماعي، وبالتالي فإن الانخراط غير الواعي في الأزمات يخلق بعض الإشكالات، بحيث تعود على أصحابها بالضرر الكبير، على الإطار الشخصي وكذلك على الصعيد الاجتماعي.
الاندفاع غير الواعي يجانب الحكمة في الغالب، فالمغامرة لا تعني الاقتحام المباشر، والتغافل عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة المفاجآت، فالجسارة لا تعني الوقوع في الخطر دون امتلاك أسباب النجاة، حيث لا يدخل ضمن ”فاز باللذات من كان جسورا“، فالعملية تتطلب الكثير من الروية، والبحث الدقيق في مختلف الزوايا، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بهدف حصد النتائج المرجوة دون التسبب في خلق أزمات كبرى، على الصعيد الذاتي أو الاجتماعي.
محاولة الجلوس في المقاعد الأمامية على الصعيد الاجتماعي، لا يستدعي التحرك بشكل مميت للحصول على بعض المكاسب في المجتمع، خصوصا وان هناك خطوات تجلب على أصحابها المصائب، وتفتح أبواب جهنم من جميع الاتجاهات، مما يستدعي وضع الأمور في الاتجاه العقلاني، لتفادي الانزلاق في مستنقع يصعب الخروج منه، بمعنى آخر، فإن الطموحات الذاتية ليست مبررا لاقتحام الأبواب المغلقة، وإنما يتطلب البحث عن المفاتيح للدخول بشكل آمن، لا سيما وان محاولة اقتحام الأزمات بطريقة غير ”شرعية“، تواجه بالكثير من ردود الأفعال العنيفة، مما يتسبب في حدوث إشكالات كثيرة على الصعيد الذاتي.
الغرور الذاتي، وكذلك النظرة القاصرة للأمور، تخلق بعض المشاكل في عملية القراءة المناسبة للانخراط في الأزمات الاجتماعية، فالغرور يسهم في وضع غشاوة كثيفة على العيون، مما يتسبب في فقدان القدرة على الرؤية السليمة للقضايا، فالاندفاع غير الواعي الهادف للحصول على بعض المكاسب، من خلال النظرة القاصرة للأمور، يجلب الكثير من التداعيات السلبية، حيث يتجلى في العديد من الإشكالات على الصعيد الشخصي، فالغرور يحدث انعكاسات غير واقعية للأمور، مما يتسبب في الاعتداد بالرأي، وعدم الاستمتاع لوجهات النظر الأخرى، بحيث تقود إلى حالة من التضخم الذاتي، تجاه آراء الأطراف الأخرى.
الاختلاف في رؤية زوايا الأزمات، نابعة من طبيعة التفكير، وكذلك المستوى الثقافي، الأمر الذي يتجلى في التباين الحاصل في المعالجات على الصعيد الاجتماعي، حيث تتباين باختلاف التوجهات والطموحات الشخصية، بيد أن الاندفاعات المتهورة التي يقدم عليها البعض كنوع من التحدي غير العقلاني، يبقى محل تحفظا ورفضا لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، نظرا لانعكاساته على الصعيد الاجتماعي، الأمر الذي يدفع باتجاه تصحيح هذه النوعية من الثقافة الاندفاعية، بهدف تغليب العقلانية على التهور في طريقة المعالجة، فالرغبة في الاقتحام وتقديم المساعدة، ليست سببا كافيا لاتخاذ الأساليب ”المميتة“.