المطية
الكثير من الناس يعتقدون بأن الشخص المطية هو الذي يتم استغلاله والضحك عليه واستغفاله وتوظيف قدراته وطاقاته ووقته وأحاسيسه وجهده وانفعالاته وقدراته دون إدراك منه لصالح أهداف غيره الهابطة ونزوات شهوات غيره العابرة، وفور استهلاكه يتم القذف بالمطية في مياه آسنة ووحول عفنه ومصير سيئ مجهول وترفع عنه أي نوع من أنواع الأغطية. في الغالب يتم التمييز بين الشخص المطية والشخص المؤدلج والشخص المشحون من الشخص الخاضع لأي نوع من الضغوط والتهديد والابتزاز بسرعة من قبل الناس الآخرين. الشخص المطية أحيانا يكون أقرب شبها بتلفون العملة الذي لا يتقاضى أجرا. وأحيانا أخرى يكون أقرب شبها بمنديل مسح أتربة يتم استخدامه وثم سرعان ما يُلقى به في سلة المهملات.
طبيعيا في فترة الشباب المبكر يخوض البعض من الناس بطولات عنترية وهمية وحروب كلامية صاخبة بسبب الحماس أو ضيق الأفق أو قلة الاطلاع أو عدم إدراك عاقبة الأمور أو عدم فكه لشفرات التداخل للمصالح المتعددة.
من خلال إجراء عمليات حسابية بسيطة ممن لديهم حس بداهة بشري عام Common sense
نلاحظ أن ملايين البشر يسوقون من دون إدراك منهم في أحداث وتفاعلات وسجالات كلامية ومتابعة تفاصيل محاكمات لمشاهير فن مختلفة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ولعل أكبر فخ يقع فيه الأغلب الأعم من الناس هو الرسائل الرقمية الأولى التي يتم استقبالها فترة الصباح الباكر والتي قد تأتي على شكل خبر أو حادث أو… الخ فتستهلك كامل يومه في حيص وبيص ورتق وفتق ورد وجذب ليمرر فكرة أو يرد على فكرة أو ادعاء أو زعم أو مغالطة!!!
في عالمنا اليوم حيث فرضت وسائل التواصل الاجتماعي سيطرتها عبر الجوالات والحواسيب،
أضحى أغبى شخص «سواء كان امرأة أو رجلاً» في العالم بإمكانه أن يختلق خبرا أو أعمال تثير البلبلة أو تراشق كلام فتستهلك أوقات من يقع في فخ متابعته والتفاعل معه في هرجه وتهريجه ومرجه.
من أجمل العناصر التي ترسخ تفادي الأغبياء في المجتمع البشري، ومن منظوري الشخصي والله أعلم، أعتقد أن توطين العادات والسلوكيات والأدبيات الحسنة هي ما يولد تكاثر الفطنين بين صفوف أبناء المجتمع الواحد ويتجاوزون فخاخ السفهاء ولا يقعون مطايا لمآرب الآخرين. واذكر من تلكم الأمور التالي وللقارئ الكريم أن يدرج أشياء أخرى:
1 - تفادي تصفح كل تطبيقات السوشل ميديا «تويتر / فيس بوك/ انستجرام / واتس أب …إلخ» عند النهوض من الفراش وبعد الاستيقاظ، فالعقل لتو ناهض من النوم الطويل ويحتاج إلى بعض الوقت لتعديل الوضع الجسماني في الوظائف الحيوية وضمان تدفق الدم في كل أجزائه
2 - الانشغال بالأهم ثم المهم. وعدم التحدث فيما لا يعنيه من أمور دينه ودنياه وماله وعياله ولقمة عيشه. وعدم الخوض في الحديث فبما ليس محيطاً به من أفكار. وأيدلوجيات وخفايا ارتباطات. فكم مسلم ساذج ومتدني المعرفة بكلامه وقلة اطلاعه جلب العار على دينه وأبناء قومه لأنه أضحى مطية لشخص ملحد أو انتهازي فاجر. وكم مغرد أو يوتيوبر أو سنابر أو انستجرام وقع في فخ النجومية الوهمية فأصبح يلهث في جمع الإعجابات حتى لو الأمر أتى على حساب كرامته وكرامة أفراد أسرته ودينه ومجتمعه ووطنه. فأصبح البعض مطية للآخرين تحت عنوان صناعة الفكاهة أو الاستمتاع باللحظة.
3 - التركيز وتفعيل حجب الرسائل الواردة من العالم الافتراضي واستحداث فنون التواصل المباشر في العالم الواقعي. خبط لزق في المشاركات بالعالم الافتراضي من كل صوب وحدب بشكل مفرط لمرحلة العبثية ودرجة العمل العشوائي والهرج والمرج يأكل التركيز أكلا لما. وكذلك الحرص عند انعقاد الحديث بموضوع معين ما في تجمع بشري مغلق أن يكون المتحدث شخصا واحداً فقط في الوقت الآن الواحد لتجذير التركيز وقطف ثمار الاجتماع. والكلام بقدر المعرفة والاطلاع.
4 - الحرص على الانضباط في أوقات النوم مساء والاستيقاظ صباحا والأكل بمواعيد والتصفح والاسترخاء والرياضة والزيارات بأوقات محددة. فمن لديه أولويات مدرجة ومهمات مطلوبة يعاجل المباشرة ويتفادى التأجيل ويرتاح من الضغوط النفسية والتردد القاتل
5 - تفادي الإدمان على استخدام الأجهزة الذكية والغبية معا. وتفادي الاستدراج في كل هابط من الكلام وحجب النفس عن مضامير الاستفزاز والتراشقات والانزلاق الأخلاقي. فكم صورة ومقطع ومجادلة وشبهة أودت بصاحبها إلى طريق المهالك واتباع الهوى ونصرة الشيطان وخذلان أهل التقوى والإيمان.
6 - تفادي التسكع في الديوانيات الواقعية والافتراضية والمجالس السخيفة والكوفيات الغير محمودة العواقب في الدنيا والآخرة.
7 - الحرية، الاستقلالية، المساواة، تساوي الفرص، السعي نحو الثراء، الحلم الفلاني،…. إلخ قد تكون شعارات جذابة ومطية لدغدغة أحلام السذج. فيحترق ذاك الحلم وتنكشف حقيقة بعض تلك الشعارات الرنانة في بعض بقع العالم ليتحول فيها الوافد الجديد إلى زومبي بشري جديد بسبب سوء التحليل لعواقب الأمور وضحالة الفكر.
قد يقول أحدهم ولكنك بتفعيل كل تلكم النقاط قد يحال الوضع بك فتكون وحيدا في مضمارك. فيقول الحكماء أن تكون وحيدا خيرا لك من أن تكون مستغلا من غيرك Being alone better than being used. حتما مع تأصِل عادات وسلوكيات جيدة كما ذكرنا بعضها أعلاه، لدى بعض الشباب والفتيات «حفظهم الله»، سينتهي بهم الحال إلى أن يكونوا عصاميين ومستقلين وطموحين ومحل احترام من أنفسهم وممن حولهم في أي مكان يذهبون أو يستقرون فيه. ومع تقادم بناء الملكات لديهم سيكون لهم شأن محمود في مجتمعهم ووطنهم وأمتهم بإذن الله. وقد يستيقظ البعض من ذل الامتطاء وقد لا يستيقظ من سباته حتى لو رحل عنه من استغله. وسيأتي شخص آخر ليصنع به ما صنع سابقه!! فبعض من الناس قد هانت عليه نفسه فسهل الهوان عليه.
فأرجو من كل فتى وفتاة أن يراجع نفسه بشكل يومي أو دوري ويصنع كاريزما شخصيته ويصون كرامته ويهذب سلوكه ويحفظ لسانه وبصره ويهذب حماسه واندفاعه ويوطن العادات الجيدة في نفسه. فالإنسان نِتاج ما يتعود عليه من العادات والممارسات والسلوك. ونحن وإياكم في مجتمع واحد نرى ونسمع ونقرأ نجاح البعض وسقوط البعض الآخر. ”النوايا مطايا“ فلنجعل نوايانا حسنة وأفعالنا أحسن.