أنا القرش!
محسوبكم القرش؛ كلكم تعرفوني لذلك قد يكون في المحادثة كلمات بلغة العوامّ ”عامية“. أعرفكم بنفسي قليلًا؛ أنا قطعة من معدن، مثل أي معدن، مستديرة 360 درجة، لولا أن كنت محظوظًا وصرت مسكوكًا، عملة عليها نقش وكتابة، لها وجهان وقيمة افتراضية، لربما صرت جزءًا من هيكل سيارة أو بناء أو أي مصلحة غير النقود.
إن كنتُ عندك عزيزًا وأنا أعرف أنني عزيز، فأرجوك أن تقرأ كلماتي الموجزة حتى الخاتمة.
أنا القرش أعيش طول حياتي مستغربًا جدًّا من نفسي! يتقاتل عليّ البشر، ساعة أكون قرشًا حرام ابن حرام زقومًا وطعامًا لأهل النار، وساعة أكون قرشًا حلالًا ابن حلال وطاهرًا! أعمّر دولًا ومجتمعات وأخرب دولًا ومجتمعات.
ساعةً في جيب كريم ويومًا في جيب لئيم، ساعةً في يد رحيم وأخرى في يد ظالم! إذا عابوا شخصًا قالوا عنه: لا يساوي قرشًا وإذا مدحوه قالوا عنه: مقرش، يعرف كيف يجمع القرش. يحترم النّاس من يملكني أكثر من غيره؛ علماء، خيرين، ناس عاديين، إذا لم يكن عندهم قرش لا يحصلون على ما يستحقون من المكانة والاحترام، خصوصًا في هذه الآونة!
أَتكاثر عند بعض الناس فيشدّه وزني نحو الأرض تواضعًا وثقلًا في نفسه، يده مفتوحة على الخير! طبعًا، الناس تختلف، بعض النفوس أغيرها وتصير أيديها قافلة على الشرّ!
أحقق أحلامًا كثيرة؛ أعلّم، أشبع، وأبني، أو أجهل وأشيع الفقر وأهدم! كل ذلك في إرادة من يملكني، أنا وسيلة لا غير، وعلى النّاس أن يملكونِي ليغتَنوا ولا يسألون غيرهم إن استطاعوا! لأنه وإن كان الفقر ليس فيه شماتة لكن الفقر مرّ مثل العلقم والفقير ليس له مكان، والأغنياء لا يعطون قرشًا ببلاش!
الخلاصة وهذا هو مربط الفرس وما أريدك أن تتمهل في قراءته: عندما تقرب حياتنا من النهاية، نكون اشتغلنا بالقرش عن الحياة وتكون الحياة قد طوت صفحتها وهيهاتَ أن تعود، حياتنا حينئذٍ انتهت إلى لا شيء سوى القرش! حفّار القبور لا يعرف الغنيّ من الفقير، كلهم ملفوفين في قماشهٍ بيضاءَ معصفرة ويدفنون في حفرةٍ مساحتها متران مربعة وحجمها أقل من حجم أصغر حجرة في دارٍ من دور الدنيا.
على ضفاف الحياة - حياة القرش - تجري أنهارٌ من دماء ودموع، السلاح فيها ”شهوة“ المال! وإلّا المال في حدّ ذاته لا يخيف؛ أداة من أدوات الجنّة! أحلنا الأملَ إلى يأس والراحةَ إلى تعب من أجل المال والمحبةَ إلى أحقادٍ وضغائن! وفي النهاية كلنا في الهوى سوى، من عنده قرش يموت ومن عنده مليار يموت. تكفل الله بأرزاق جميع خلقه ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ فهل خلق الله أقلّ مما يكفي لجميع خلقه أم ماذا؟