التكنولوجيا والخرس الزوجيّ!
قديمًا كنّ النساء يشتكين من ثرثرة وأوامر الأزواج المتقاعدين عن العمل وكبار السنّ، خصوصًا الرجال الذين عملوا بانضباط ونوع من الجديّة والاستيقاظ باكرًا، ومنهم من عمل لعشرات السنين. كانت النكات تثار بأن المتقاعد شرطيّ يدور في الدار يعطي الأوامر، يغلق الأضواء وصنابير الماء المهدر ويتدخل في الشاردة والواردة.
في تلك الآونة لم يوجد بعد تقنيات تواصل ولا أسواق فخمة ونحو ذلك؛ ما عدا بعض الأسفار البسيطة والمهامّ الصغيرة فإن حياة معظم الأزواج بعد أن يكبر الأبناء والبنات: خَلاَ لَكِ الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي! لكن ماتت أسباب الحبّ والودّ ولم يعد هناك من صفير! حياتهم لم تخل من ساعات من السعادة مع خليط من نكد وخصام تقدم العمر، حتى جاءت التقنيّات الحديثة وأحالت الكلامَ صمتًا، الخرس اليوميّ صار حاضرًا، الكلّ منشغل بنفسه؛ النساء لهنّ مجموعات النساء والرجال لهم مجموعات الرجال.
أتطلع ألّا يظنّ القارئ الكريم والقارئة الكريمة أنني أضع هذه الرؤية كقاعدةٍ عامة! لا، ليس كذلك، إنما ظاهرة الخرس التقنيّ أصبحت متسيدة الموقف بين كلّ الأجيال، فلا تكاد ترى شخصين يتحدثان إلا وهما إمّا منشغلان بالتقنية أو يتحدثان عنها، في العالم الكل ”عايش لحاله“ ومنشغل بنفسه. وأتطلع أن لا يجد فيها مبالغة أيضًا، بل يتفحص الوضع وينظر حيثما أراد؛ في المحافل والمساجد ووسائل المواصلات، أليس كلنا مشغولون بتقنية التواصل؟!
”الخرس الزوجيّ“ الذي تسببه التكنولوجيا الحديثة هو نهاية الزواج بدون ورقة طلاق أو مأذون! وإن كان مفهومًا في تقدم العمر إلا أنه يكون خطيرًا في بدايات الزواج ويكون من أسباب الإنفصال والطلاق التامّ والأمراض الجسديّة. ومن المتوقع إذا استمر الحال أن يتحول صمتًا اجتماعيًّا يُخشى منه على الكلّ!
قبل عدة سنوات كنا نمارس الرياضة في الملاعب المغلقة ويكاد الضجيج والصراخ يصم الآذان والآن أَنظر إلى الشبّان الحاضرين من حولي، كلهم تقريبًا يضع سماعة أذن ومثل الأحجار، خُرس لا يتكلمون وصمٌّ لا يسمعون.
خلاصة الفكرة: إذا كان التخطيط للحياة الزوجيّة في السابق يشمل الاقتصاد والسكن والتوفير والبقاء بعيدًا عن المشاكل مع الزوج أو الزوجة، فلربما قريبًا يشمل تعلم الكلام من جديد والتفاهم والتخفّف من التقنيات التي تحتم الصمت الزوجي.
السعادة الزوجية هي نتاج القدرة على الكلام والتفاهم وليس في الصمت من حكمة بين الأزواج صغارًا أم كبارًا كانوا ومن طبيعة الحياة الزوجيّة أن يكون فيها بعض الهجمات والغارات بين الأزواج والشدّ والجذب والتحكم في بعض الأمور، فلا ضير إن لم يقصد منها الهزيمة والأذى.