الطريق يقول: أعطونِي حقي!
أمطرت السماءُ - قليلًا - فجر وصباح هذا اليوم الإثنين، الثالث عشر من شهر مارس/آذار، وكلما أمطرت السماء تنبعث في الطريق حالة من البهجة ويتكلم مطالبًا بحقوقه. الطريق أحد الأحياء الذين لهم حقوق وديون على النّاس، وإلّا كيف يكون حقّ لميّت؟ وإذا كان القارئ الكريم في شكّ من أن للطريق حقوق فبإمكانه أن يبحث في محرّك البحث عن ”حقوق الطريق“ أو الشارع! واحد من الحقوق إماطة الأذى عن الطريق، وأول ذلك أن نميط أذانا ”نحن“ عن الطريق ويكون الطريق لنا من الشاكرين!
كنت أشتري لحمًا، الطريق ليس ضيقًا مع ذلك حدث زحام خارج الدكان وارتفعت أصوات السيّارات فقال البائع: هل ترى صاحب السيّارة الذي وقف في وسط الطريق لا يعير اهتمامًا لغيره؟ هو يفعل هكذا كلّ يوم، يأتي ينتظر امرأة تنهي شغلها وتركب معه! الطريق يكفي لأن يقف الرجل في أحدِ المواقف أو يحيد إلى اليمينِ قليلًا ويستطيع غيره المرور بكل أريحيّة إلا أنه يقف وسط الطريق! هذا مثال واضح كيف نكون ”نحن“ الأذى في الطريق ونستطيع إزالته بكلّ سهولة!
في فصلِ الربيع والجو معتدل نوعًا ما مثل هذا اليوم؛ كم صاحب درّاجة ناريّة يجوب الطرقات وأحيانًا في أوقات الفجر وأصوات الدراجة يوقظ النائم ويزعج المريض؟ كم سائق سيّارة يفتَح نوافذها ويعلّي صوت المذياع؟ أظنّ أن هذا يكفي لكي تتضح الصورة أن هناك أنماطًا كثيرة من الأذى نحن سببها، ولم أذكر ما نرميه في الشوارع من بلاوى مخلفاتنا!
ترك عربات التسوق مبعثرة في مواقف السيّارات يصطدم بها المشاة وتسبب ضررًا لسيارات الآخرين نوع من الأذى! عدم ركن السيارة في الأماكن المخصصة لمن يحتاجها ومكتوب عليها ”مخصصة“ أذى! ترك القمامة أمام دار الجيران وعدم وضعها في أماكنها أذى! ثوانٍ لا غير تكفي لكي نرفع ونبعد أذانا عن الطريق.
الحكاية هي أن من جميل الأفعال الحضاريّة إزاحة الأذى عن الطريق فمن الأولى عدم التسبب فيه. الله سبحانه يحب أن نظهرَ بمظهر جيّد ويعطينا أجر المتصدق. تعالوا نرى كيف يكون الاحتكاك في الشارع ثم نحكم!
أمسك لسانك، فإنّها صدقة تصدق بها على نفسك.
كفّ شركَ عن النّاس، فإنها صدقة منك على نفسك.
إماطتك الأذى عن الطريق صدقة.
قالوا: وما حق الطريق؟ قال: "غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
غاية المرام هي أننا نبحث عن أشياء مكلفة لا نستطيع توفيرها لكي نحصل على الأجر وتحت أنوفنا أشياء لا تكلّف شيئًا وفيها أجر الصدقة والمظهر الحضاري، ومن هذه الأشياء إماطة الأذى عن الطريق. لماذا الطريق؟ لأن منفعته لنا جميعًا وكلنّا فيه مثل الهواء شركاء بنسبٍ متساوية، وليس لأحد التفرد بالإخلال بهذا العقد الدينيّ والاجتماعيّ!