آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

حرية الإرادة والوعي بالذات ‏

كاظم الصالح *

كمقاربة فلسفية تأتي حرية الإرادة كوعي يتعلق بالذات، تنتفي هذه الحرية للفرد وتبقى كخيارات متعددة، وحتى هذه الخيارات يجب أن يكون الفرد واعيا تماما من أين جاءت، وإلا قد تكن هذه الخيارات لا تنتمي إليك. عندما يتخذ الفرد قرارا أو تصرفا ويبني ذلك على أنها حرية اختيار كاملة مثلما يعتقد، في الواقع هو اتخذ تلك القرارات والتصرفات على إثر تربية وثقافة وخبرات سابقة وليست انطلاقا من وعي ذاتي وحرية إرادة، الكثير يعتقد أن ما يدور في عقولنا من أفكار تمثل ذواتنا، لكن في الواقع هي تصل إلينا دون اختيار منا. هنا يأتي دور التأمل واليقظة الذهنية عند الممارسة لهذه الحرية، حيث يتحول الفرد من شخص ينقاد لا إراديا مع هذه الأفكار ومتفاعلا معها إلى فرد مراقب لها، سيتأمل الفرد تلك الأفكار من الخارج وليس من الداخل حيث تكون القوة لسطوة الوهم بحرية الإرادة.

عندما يؤمن الفرد بذاته وبالآخر كمقابل هنا يأتي الاعتقاد بحرية الإرادة عند غالب البشر، لكن هي في الواقع حرية مقيدة إن جاز التعبير، مقيدة بقيم اجتماعية وتربوية وثقافية.

يتحدث سبينوزا عن حصر تلك الضرورات والحتميات ومراقبة تيار الفكر ربما يكون من منطلق حرية الإرادة ولكنها حرية مقيدة كذلك بالوعي أيضا، وأعتقد بأن الوعي يتطلب جهدا إدراكيا كسلامة قنوات التحليل والإدراك. وعندما يذكر أحد أبرز الفلاسفة التجريبيين الإسكتلندي ديفيد هيوم أن حرية الإرادة أكثر المسائل المثيرة للجدل في النقاشات الفلسفية، بداية من الفلسفة اليونانية وما بعد ذلك، لأن الحرية بطبيعة الحال تستتبع المسؤولية، فنحن نعتبر أنفسنا مسؤولين، ونعتبر الآخرين مسؤولين عن أفعالهم بافتراض أنهم يختارون حرية التصرف بالطريقة التي يقومون بها. أما الفيلسوف الوجودي سارتر فقد برهن على أن الوعي بالذات ليس وعيا بذاته قبل أن يدرك شيئا. لأن الوعي هو دائما وعي شيء ما. وهذا الشيء يعود لنا نحن أكثر مما يعود إلى العوامل الخارجية. نحن من نستطيع، بقدر ما، أن نقرر ما نريد إدراكه باختيار ما له معنى بالنسبة لنا حتى وإن كان من منطلق حرية إرادة.

إذا الإرادة الحرة هي نتيجة مباشرة للوعي والقدرة على التفكير ونتيجة لذلك إدراك أن لديك القدرة على الاختيار، ويمكن أن يتأثر هذا الاختيار بعدد غير محدد من العوامل من مثل «الطبيعة، التنشئة، الأنا، التحيز الشخصي، التحيز الثقافي، الروح، ضغط الأقران، الطقس، الأنانية، الولاء، الهرمونات... إلخ».

ولكن من جانب آخر كلما زادت التأثيرات التي لا تعرفها «قلة الوعي الذاتي» قل خيارك، لذلك إذا كان لديك عدد كبير من الضغوط أو التأثيرات عليك فعندما تتخذ قرارا فربما لا تشعر حتى أن لديك خيارا. لذا فإن إرادتك الحرة مقيدة ما لم تكن مدركا لذاتك بما يكفي لأخذ هذه التأثيرات في الاعتبار بالاستماع لها أو تجاهلها أو حتى معارضتها. لكن يمكنك دائما الاختيار بشرط أن يكون لديك الوعي الذاتي لمعرفة وجود هذا الاختيار.

على أي حال، يجب أن نكون مدركين لأفكارنا وعواطفنا حتى نتمكن من ممارسة إرادتنا الحرة لاختيار أفكارنا وتوجيهها والتغلب عليها. صحيح أن هناك عوامل خارجة عن إرادتنا تؤثر على أفكارنا ولكنها في الغالب عوامل اقتصادية التوجه. لقد زودنا الله - سبحانه وتعالى - بالإرادة الحرة للعيش مع المبادئ الكونية. إنها ميولنا التي خلقتها تجاربنا الحياتية السابقة والبيئة والمعتقدات الاجتماعية والثقافية، وتحرض أفكارنا دائما من خلال المحفزات التي يمكننا التغلب عليها من خلال حرية الإرادة الواعية.

كاتب مهتم بالفكر والفلسفة، عضو جمعية الفلسفة السعودية