آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

أسماء وألقاب الإمام المهدي «عجَّل الله فرجه الشريف»..

  • وقفة دلالية وفق روايات أهل البيت .

الإيمان الحق يقوم على المعرفة قبل الأفعال والسلوك، فهي «المعرفة» الأساس الذي يستند عليه الإيمان. عن أمير المؤمنين : ”أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ“ [شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، 1/ 73]. قال ابن أبي الحديد في شرحه: ”أراد أول واجب مقصود بذاته من الدين معرفة البارئ سبحانه“. [المصدر نفسه، الصفحة نفسها]، وعن أبي حمزة قال: قال لي أبو جعفر : ”إنما يَعبدُ اللهَ مَنْ يَعْرِفُ اللهَ، فأمَّا مَنْ لا يَعرف اللهَ فإنما يَعبدُه هكذا ضَلالًا“. [الكافي، الشيخ الكليني، 1/180]، وبعد معرفة الله تأتي معرفة النبي ﷺ، وبعدها تأتي معرفة الأئمة ، بدءًا من أمير المؤمنين إلى المهدي، وهذه المعرفة بفروعها أُكِّدت عليها في الأحاديث الشريفة أيمَّا تأكيد. عن ابن أذينة قال: حدثنا غير واحد، عن أحدهما «عليهما السلام» أنه قال: "لا يكون العَبدُ مؤمنًا حتى يعرفَ اللهَ ورسولَه والأئمةَ كُلَّهم وإمامَ زمانِه، ويُردَّ إليه ويُسلِّمَ له، ثم قال: كيف يعرفُ الآخرَ وهو يَجْهَلُ الأَوَّلَ؟! [الكافي، الشيخ الكليني، 1/180].

والمعرفة بابها واسع، إحدى تجلياتها معرفة أسماء وألقاب الإمام، فهي تدلُّنا على خصائصه وأوصافه وبعض شؤونه، وبمناسبة ذكرى ميلاد الحجة المنتظر «عجَّل الله فرجه الشريف» فإننا نذكر بعض أسمائه وألقابه «وصفاته» ودلالتها والنصوص التي جاءت بشأنها:

1 - محمد. هذا اسمه «صلوات الله عليه»، فها هو رسول الله ﷺ يبشِّرُ الأمةَ به ويبيِّن اسمه: ”لن تنقضي الأيامُ والليالي حتى يبعث الله رجلًا من أهل بيتي، يواطِئ اسمُه اسمي، يملؤها عدلًا وقسطًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا“. [الإرشاد، الشيخ المفيد، 2/ 340].

هذا، وقد جاء النهي عن تسميته باسمه. عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن العسكري « يقول»: ”الخلف من بعدي الحسن ابني فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ قلت: ولم جعلني الله فداك؟ قال: لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد صلوات الله عليه وسلامه“. [كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، 1/676]

وقد بحث العلماء هذه المسألة واختلفوا فيها إلى أقوال ستة:

- الجواز مطلقًا إلا في حال التقية. ذهب إليه المحدث العاملي في الوسائل.

- المنع مطلقًا. نُقل عن الشيخين: المفيد والطبرسي.

- القول بالحرمة مطلقًا إلا في الأدعية الواردة عن المعصومين .

- الجواز على كراهة، قال به الشيخ الأنصاري.

- ومنهم من خص الحرمة بذكره في المحافل والمجامع دون غيرها، كالسيد المحقق الداماد والميرزا النوري.

- ومنهم من خص الحرمة بزمان الغيبة الصغرى دون غيره. نَقل المجلسي في البحار من يذهب إلى هذا الرأي. [انظر في تفصيل المسألة: مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم، الميرزا محمد تقي الأصفهاني، 2/ 97].

2 - المهدي. عن رسول الله ﷺ: ”أبشري يا فاطمة، فإن المهدي منكِ“ [ميزان الحكمة، محمد الريشهري، 1/ 178]، وعنه ﷺ: ”المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدري“. [ميزان الحكمة، محمد الريشهري، 1/ 178]، ولما سُئل الإمام الصادق عن علة تسمية القائم بالمهدي قال: ”لأنه يَهدي إلى كل أمر خفي“. [ميزان الحكمة، محمد الريشهري، 1/ 178]، ويضاف ”مهدي“ إليهم : مَهديِّنا. عن أمير المؤمنين : ”بمهدينا تُقطع الحجج، فهو خاتم الأئمة، ومنقذ الأمة، ومنتهى النور“ [ميزان الحكمة، محمد الريشهري، 1/ 179].

3 - المنصور. عن الإمام الباقر في قوله تعالى: ﴿ولا تقتلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلَّا بالحقِّ ومَنْ قُتِلَ مَظلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِّيهِ سُلطَانًا فَلَا يُسْرف في القَتْلِ إنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [سورة الإسراء: 33]: سمى الله المهدي المنصور، كما سمى أحمد ومحمدًا ومحمودًا، وكما سمى عيسى المسيحَ "، ووجه التسمية أن الله تعالى سينصره؛ لأنه ناصرٌ لله. قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز [سورة الحج: 40].

4 - القَائِم، ووجه التسمية أنه يقوم بالحق، قَائِم: اسم فاعل من: قام يقوم فهو قَائِم. عن أبان بن تغلب، قال: ”سمعت أبا عبد الله يقول: كأني أنظر إلى القَائِم على نجف الكوفة عليه خوخة من إستبرق...“. [كتاب الغَيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، 1/ 320]. خوخة: ضرب من الثياب خضر، وربما أضيف قَائِم إلى الضمير «نا» الذي يعود على أهل البيت: قَائِمنا. عن رسول الله ﷺ: ”وإن قَائِمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به“، [كتاب الغَيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، 1/ 305]، أو يضاف إلى أهل البيت: ”كأني بقائم أهل البيت...“ [كتاب الغَيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، 1/ 319]، ووجهه واضح؛ إذ قيامُه قيامُهم ، فهم في سلسلة واحدة هدفها القيام بالحق وتثبيت العدل. عن الإمام الصادق في حديث يُعدِّد فيه أئمة من أهل البيت: ”... آخرهم القائم الذي يقوم بعد غَيبته؛ فيقتل الدجال ويطهِّر الأرض من كل جور وظلم“. [بحار الأنوار، العلامة المجلسي، 51/ 145]، وقد يضاف إلى ”آل محمد“ فيقال: قَائِم آل محمد، كما جاء في روايات البحار «51 / 28 - 30» وغيره.

5 - المنتظَر، باسم المفعول من: انتظر ينتظِرُ فهو مُنتظِر «اسم الفاعل»، ومُنتظَر «اسم المفعول»، فالمؤمنون هم المنتظِرون لظهوره، وهو المنتظَر. ولعل التسمية جاءت من روايات عديدة فيها هذا الوصف. عن الإمام الصادق : ”المنتظِر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله ﷺ يَذبُّ عنه“. وعن الصادق : ”من مات منتظِرًا لهذا الأمر كان كمن كان مع القَائِم في فسطاطه، لا بل كان بمنزلة الضارب بين يدي رسول الله ﷺ بالسيف“. [بحار الأنوار، العلامة المجلسي، 52/ 146]؛ وما شاع من تسمية بعض الآباء لأبنائهم ب ”مُنتظَر“ بالفتح، الأَولى فيه أن يكون بالكسر: مُنتظِر، فهو الوصف المناسب بالمؤمنين، اللهم إلا أن يقال إن التسمية ب ”مُنتظَر“ فيها تيمُّن وتبرُّك باسمه «بوصفه» صلوات الله عليه، ولم أجد فيما وسعني من بحث إطلاق اسم ”منتظَر“ عليه؛ ولذا فهو وصف له لا اسم.

6 - بقية الله، كما وصف نفسه «روحي فداه»: ”أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه“. وعن الإمام الباقر : فإذا خرج أَسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا، فأول ما ينطق به هذه الآية: ﴿بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظ [سورة هود: 86]، ثم يقول: أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم، فلا يُسلِّم إليه مسلم إلا قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه" [ميزان الحكمة، محمد الريشهري، 1/ 179]، ووجه إطلاقه عليه أنه خاتم الأوصياء وآخر الأئمة؛ فلا وصيَ بعده، ولا إمامَ يعقبه، فهو آخر الحجج والبقية الباقية، الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها.

7 - الحجة/ حجة الله، أي هو مما يحتج به الله على عباده، كما يحتج بأنبيائه عليهم. عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله قال: ”أقربُ ما يَكونُ العبادُ إلى الله عزَّ وجلَّ وأرضى ما يكون عنهم، إذا افتقدوا حُجَّةَ الله، فلم يظهر لهم، ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حُجَّةُ الله، فعندها فتوقعوا الفرجَ كل صباح ومساء، فإن أشدَّ ما يكون غضبُ الله على أعدائه إذا افتقدوا حجته، فلم يظهر لهم“. [بحار الأنوار، العلامة المجلسي، 52/ 145].

8 - صاحب الأمر، والمقصود بالأمر هو أمر الولاية والإمامة استلهامًا من قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [سورة النساء: 59]. عن هانئ التمار قال: قال لي أبو عبد الله : ”إن لصاحب هذا الأمر غَيبة؛ فليتق الله عبد وليتمسك بدينه“. [بحار الأنوار، العلامة المجلسي، 51/ 145 - 146].

9 - صاحب الزمان، وهذه التسمية شائعة جدًّا في كلمات العلماء واستعمال المؤمنين، ولم أجدها إلا في زيارةٍ أثبتها العلامة المجلسي في بحاره. قال: ومما يزار به «صلوات الله عليه» كل يوم بعد صلاة الفجر: ”اللهم بلِّغ مولاي صاحب الزمان «صلوات الله عليه» عن جميع المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها، وبَرها وبحرها وسهلها وجبلها، حيهم وميتهم، وعن والدي وولدي، وعني، من الصلوات والتحيات زنة عرش الله، ومداد كلماته، ومنتهى رضاه، وعدد ما أحصاه كتابه، وأحاط به علمه به...“، وفيها أيضًا: ”اللهم فكما شرفتني بهذا التشريف، وفضلتني بهذه الفضيلة، وخصصتني بهذه النعمة فصل على مولاي وسيدي صاحب الزمان“. [بحار الأنوار، العلامة المجلسي، 99/ 110]، ووجه هذا اللقب أن الزمان له «صلوات الله عليه»؛ فله الولاية العامة. إنه «كآبائه» الإمام المفترض الطاعة، وله أيضًا الحكم المطلق بعد ظهوره، فيبسط عدلَه وقسطَه بعد أن يزيل الجورَ والظلمَ السائدَ قبل ظهوره «عجَّل الله فرجه الشريف».

10 - الخلف الصالح. عن هارون عن أبيه موسى قال: قال سيدي جعفر بن محمد: ”الخلف الصالح من ولدي وهو المهدي اسمه محمد وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان“. [كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، 3 / 275]، ووجه الوصف بأنه يخلُف آباءَه في القيام بأعباء الإمامة، فهو الخليفة من بعد الخليفة: ”الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش“ [بحار الأنوار، العلامة المجلسي، 36/ 365]، فهو الإمام الثاني عشر.

كان هذا عرضًا سريعًا لأسماء وألقاب «وصفات» الإمام المهدي الموعود، كما تتبعتها في روايات أهل البيت ، وفي بعضها إشارات في القرآن الكريم، رغبةً في أن ألقي ضوءًا عليها بتعدادها وبيان وجهها وعرض الروايات الواردة فيها، على أمل أن تقرِّبنا من إمام زماننا وتعرفنا به أكثر.

اللهم صلِّ على وليِّك وابن أوليائِك، الذين فرضتَ طاعتَهم، وأوجبت حقَّهم، وأذهبتَ عنهم الرِّجْسَ وَطَّهرتَهم، تَطهيرًا.

المصادر «بعد القرآن الكريم»:

1 - الإرشاد، الشيخ المفيد «محمد بن محمد بن النعمان»، مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، دار المفيد، بيروت، 1414 هـ .

2 - الأصول من الكافي، الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، دار الكتب الإسلامية، بيروت، 1388 هـ .

3 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، العلامة محمد باقر المجلسي، دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان.

4 - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، 1378 هـ .

5 - كتاب الغَيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، تحقيق حسين العايش، أنوار الهدى، قم، د. ت.

6 - كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، دار الأضواء، بيروت، 1405 هـ .

7 - كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق «محمد بن علي بن بابويه»، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1405 هـ .

8 - مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم، الميرزا محمد تقي الأصفهاني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1421 هـ .

9 - ميزان الحكمة، محمد الريشهري، دار الحديث، قم، 1375 هـ .