التكديس وإدمان التسوق
الإدمان على الاستهلاك يمثل مشكلة يتعدى تأثيرها السلبي استنزاف مواردنا المالية وطاقتنا العقلية والجسدية ليَتعداه إلى التضييق علينا مكانيًا بأخذ مساحةً أكبر من منازلنا وتشتيت انتباهنا عن الأشياء الأكثر اهمية والتي تجعل من الحياة استحقاقًا جديرا أن نحيا له ونكافح من أجله.
لستَ مُضطرًا للبحث عن الإجابة بعيدًا، لتكتشف كيف وصلنا إلى هذا المستوى كمجتمع. تتأثر عادات الإنفاق بشكل كبير بالتسويق والإعلان.
الإعلانات في عصر الأجهزة الالكترونية والإنترنت السريع، تتخطف الناس ولو كانوا في بروج مشيدة. سواء كنت تتصفح مواقعك المفضلة عبر هاتفك الخلوي أو تشاهد التلفاز أو تقود سيارتك في المدينة، ترى الإعلانات تلاحقك وتؤثر على طباعك ومزاجك وتدفعك للمزيد من الشراء الغير مُنَظم.
الصورة الكبيرة هي أن معظمنا نشتري اليوم أكثر من أي وقت مضى. هذا السلوك من الاستهلاك المفرط جعل الأسرة السعودية المتوسطة تمتلك أضعاف ما كانت تمتلكه من الأشياء قبل خمسين عامًا. لا عجب أن متوسط أحجام المنازل قد تضاعف ثلاث مرات وأن كل منزل بات يحتوي على وحدة تخزين واحدة على أقل تقدير وهي تغص بمختلف الأشياء التي لا حاجة للأسرة لها.
الق نظرة حول منزلك. هل ينتابك التعب وتشعر بالغثيان عندما تشاهد كل الأشياء التي جمعتها على مر السنين..؟ هل الديون التي راكمتها على بطاقتك الائتمانية آخذة في الارتفاع والتصاعد..؟ إذا كان الأمر كذلك، ربما حان الوقت لتقلب الطاولة وتعيد حساباتك من جديد. ارجع بتفكيرك إلى الوراء عندما كان أجدادك يعيشون البساطة بكل تفاصيلها. هل كانوا تعيسين ومكتئبين، أم كانوا يعيشون الرضا والقناعة على قلّة ما جمعوه من متاع الدنيا..!
انظر عن كثب إلى ممتلكاتك، ستدرك أن الأشياء القيمة في الحياة ليست تلك التي دفعت فيها أموالا طائلة حتى صارت جزءا لا يتجزأ من حياتك وصار من الصعب عليك التخلي عنها..! الواقع الذي لا يخفى على الفطن، أن القيمة الحقيقية تكمن في تلك العطايا التي وهبنا الخالق إياها دون مقابل والتي علينا أن نحفظها ونحافظ عليها.
المنزل الممتلئ بمختلف أنواع الأثاث والمقتنيات، لم يعد مكانًا للراحة والاستجمام، بقدر ما هو مرهق ومثير للأعصاب. يمكنك تحرير نفسك من الممتلكات التي تثقل كاهلك وتقيد حركتك، باحتضان الأشياء ذات القيمة المعنوية العالية بدلاً من ذلك. مع القليل من الجهد والتفكير العقلاني والذكي، يمكنك تحويل منزلك إلى مكان يعج بالحيوية وفي نفس الوقت يكون أكثر أناقة وجمالًا. انتهج البساطة كأسلوب حياة، لتكتشف مع مرور الوقت أنه يمكنك أن تحافظ على مالك وتمنح نفسك السكينة والطمأنينة..!
إذا كنت قلقًا من أن ينتهي بك الأمر بالندم على قرارك التخلي عن شيء من حطام الدنيا، فحاول العيش بدونه لفترة وجيزة من الوقت. أما إذا أردت أن تحصل على أقصى استفادة من امتلاك القليل، فحول تركيزك من جنون التكديس إلى نشوة العطاء. بدلًا من محاولة بيع مقتنياتك القديمة والزائدة عن حاجتك، فكر في التبرع بها لجمعية خيرية محلية. بهذا تكون قد أرحت نفسك من هَوَس التكدس القهري، وعززت الهدوء والسلام الداخلي لديك.