الإصلاح المهدوي
يعيش اتباع أهل البيت كل عام من شهر شعبان المبارك فرحا وسرورا بمناسبة ذكرى ميلاد كوكبة من أقمار أهل البيت، وفي النصف من هذا الشهر تتجلى الأفراح بميلاد منقد البشرية الإمام المهدي ، حيث يمثل وجوده وإمامته القيادة الإلهية للإنسانية المحتاجة لفيض حضوره المبارك.
قال رسول الله ﷺ: «والذي بعثني بالنبوة انهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته كالانتفاع بالشمس إن سترها سحاب».
لا يخفى على المتتبع مدى الارتباط الوثيق بين الرسول ﷺ وأهل بيته ، والعلاقة الخاصة مع الإمام الحسين وكذلك امتداد هذا الارتباط بالأئمة من ولده وصولا للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، جاء في هذا الارتباط أحاديث وروايات من الرسول صلى الله عليه واله ومن باقي الائمة، قيادة معصومة هيئة من قبل الله عز وجل لهدف واحد ومشترك وهو احياء الدين وإصلاح المجتمعات من الضلال للهداية في مسيرة تكاملية مباركة، قدمت فيها التضحيات والعطاء.
فكان العطاء الركيزة الاساسية لحماية الدين والقيم السماوية باقية ومحاربة الفساد الذي ينخر العالم وتسلم حقوقه من القوى المتربصة، فالنهضة الحسينية هي الشرارة التي انارت الطريق لمسيرة ظافرة للإمام المهدي عجل الله فرجه وسهل مخرجه لإتمام دور جده الاصلاحي قيادة العالم لبر الأمان واقامة المجتمع الفاضل تسوده العدالة وتحقيق المساواة.
فالعالم بحروبه ومشاكله الاقتصادية والبيئية وغيرها من القضايا المفتعلة يعيش في اسوء حالاته فالفقر منتشر والأمراض تقضي على البشرية لعدم وجود القيادة الواعية والعادلة لقيادة العالم للأفضل، البشرية تحتاج فكرا اصلاحيا ومشروعا فاعلا، تقدم فيه التضحيات يتمثل في قول الرسول صلى الله عليه واله «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته».
وقول الامام الحسين «إنما خرجت لطلب الاصلاح».
فالواجب الشرعي والاصرار على القيام بالدور الاصلاحي جعل الامام الحسين والائمة من ولده حتى الإمام الحجة عجل الله فرجه رسل هداية وخير وإحقاق الحق وكفالة الحقوق لكافة الإنسانية، ما قام به الإمام الحسين من تضحية استكمال لدور جده، وعمل الإمام الحجة إتمام مشروع الإمام الحسين ، من أجل غد افضل.
دخل الإمام الحسين على علي بن أبي طالب عليهما السلام وعنده جلساؤه فقال: ”هذا سيّدكم سمّاه رسول الله ﷺ سيّد، وليخرجنَّ رجل من صلبه شبهه في الخلق والخُلُق يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً“
نهضة الإمام الحسين ومشتركاتها جعل خروج الامام الحجة أمرًا عالميًا، تعيش البشرية لحظة أمل من أجل إنقاذها مما هي في من تردي وتراجع لتسود الرحمة والعدالة بدلاً من عالم أصبح فيه المعروف منكر والمنكر معروفا.
عن رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلم» «أنَّه قال: المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً، تكون به غيبة وحيرة تضلُّ فيها الأُمم، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»
الانبياء والرسل المبلغين رسل السماء ومن بعدهم من يخلفهم من الاوصياء كان الهدف الرئيسي هو الاصلاح في المجتمع وإنقاد العباد مما هم فيه من الضلال والانحراف عن الجادة، وهذا الأمر طريقه ليس مفروشاً بالورود، بل معاناة يتعرض لها المصلحون لوجود طابور من مصلحتها بقاء حالة الضياع ليتعيش من ذلك ولا يفقد نفوذه ومصالحه الشخصية في أي تغيير يقلب الموازين، ولهذا تعرض الانبياء والرسل والاوصياء على امتداد بعثتهم إلى الحرب والبطش والإرهاب وصولا للقتل.
والعالم يعيش أيام مباركة من ميلاد الامام الحجة بن الحسن منقد الدين وحامي قيم البشرية بفيض وجوده وأمل خروجه المبارك، اصلاح أمة جده واجب شرعي بشر به، وهيئ لهذا اليوم لتكون له المكانة العظيمة ونصرة الدين، من اجل اعادة المجتمع لطريق الصلاح بعيدا عن اهواء شخصية أو مطالب دنيوية أو افكار عشائرية، بل تطبيق أهداف بدأها النبي صلى الله عليه واله واتمها سيد الشهداء ليكون المجتمع كما اراده المصطفى بعبادة الله تعالى والكف عن المحرمات وسيل الدماء ظلما وعدوانا والنهي عن الفواحش، والعمل على بناء عالما نظيفا يعيش الانسان فيه كرامته تصون فيها الانفس وتحفظ الارواح ويعم السلام العالمي.
فالوضع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله كان يمر بمنعطف خطير وعدم اتزان وانقلاب في الموازين ودخلت افكار هدامة وعقائد منحرفة واجندات خطيرة تهدد حياة الامة وضياع الدين ومزيد من الانحراف فكانت النهضة الحسينية المباركة والمشروع المهدوي هو المنقد.
يقول «يا «إلهي إنْ كانَ هذا يرضيك فَخُذْ مِنِّي حتّى تَرْضَى»
عانى النبي وأهل البيت من تربص ومحاولات المشركين والمنافقين بالقتل وتشويه الرسالة، فقدمت الارواح الزكية فداء لرسالة السماء، رغم توجهاتهم السلمية والعمل على عدم اسالة الدماء الذي ذهب ضحيتها جل أهل البيت .
الان تعيش البشرية المشروع الاصلاحي ليبقى مشروعا خالدا على مدى الدهر ومشعلا للعدل، يوقظ الضمائر الحية لعمل الاصلاح في كل مكان وزمان، ليصل كل مجتمع إلى حالة من الاصلاح يكون فيها خط النبي الاكرم باقياً بنهضة الامام الحسين وظهور الحجة يعرف فيها الحق من الباطل، دروسا وعبر يتخذ منها منارا للهدى والدعوة للسلم الاجتماعي فكانت وحدة الهدف بينهم مشتركة.
قال: «وأنّي لم أخرج أشَراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنَّما خرجت لطلب الاصلاح في اُمّة جدِّي صلّى الله عليه وآله اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدِّي وأبي عليّ بن أبي طالب».
قدم لهذا المشروع الاصلاحي قربان هم خير من على الارض، لم يثنهم كل الضغوطات والتهديد أتموا مسيرتهم المظفرة عارفين بنتائجها الآنية والمستقبلية، ومدى تأثر الانسانية على مر التأريخ بهذه المدرسة الجليلة، أن الحق هو الباقي رغم قلة الناصر وكثرة العدو، نهضه اصلاحية لازالت مدوية في الآفاق تنير دروب البشرية وتقوي عزيمتهم ليكون الحضور المحمدي باقي بصوت وتضحية الامام الحسين وحفيده الامام المهدي ، أفشل في مشروعه كل المخططات المنحرفة في زمنه والازمان التالية لصناعة تاريخ من الاصلاح وتبقى نتائجها على كل الساحات، عنوان للسلم الاجتماعي وحماية المكتسبات الانسانية المشروعة وحياة كريمة.
هذه الايام المباركة من شهر الرسول صلى الله عليه واله، ومواليد كوكبة من أهل البيت ، من أفضل الفرص في تعميق الولاء والسير على خطاهم المباركة، فالكرامة تحتاج تضحية وفداء والخالدون في هذه الحياة من يصنع العزة والكرامة.
بهذه المناسبة العطرة نتمنى من الجميع أن تكون هذه الأيام أيام خير وسعادة بتفعيل قيم أهل البيت عليهم وإحياء أمرهم بالشكل المحترم الذي يليق بمكانتهم وعلو شأنهم، وتجنب السلبيات والمخالفات التي تضر بهذا الاحتفال ولا ترضى يقينا أهل البيت ، فاحترام إحياء أمرهم من احترام اشخاصهم وعربون محبتهم الذي تتجلى في عظمة الولاء لهم وعلى الجميع مسؤولية في محاربة كل التجاوزات الغير مسؤولة.
بارك الله للجميع هذه المناسبة العظيمة واعادها الله تعالى بكل خير وقرب ومحبة لأهل البيت .