في شهر رمضان الطعام لكلّ النّاس!
لم ينته الشطر الأوّل من شهر شعبان ومع ذلك عندما زرت أحد أماكن التبضع يوم أمس وجدتها مزدحمةً بالمشترين، أظنّ السبب هو أن شهر رمضان المبارك يحل قريبًا في جوّ بديع، هذا العام، والنّاس منفتحة على الخروج والتبضع باكرًا.
كل شيء حلو وشهيّ في شهر رمضان، من العبادة وحتى الأكل حينما تجتمع عليه أيدي الأحباب ويَتشاركه الجيران. لا نقول الأكل حتى التخمة واللعب بالنعمة وأن يزيد الوزنُ فوق خانتين، إنما الصائم الجائع يشتهي الأكلَ الطيّب الحلال!
من عادات القطيفيين، وما حول القطيف من بلدات، وأظنها عادة متفقًا ومتَسالمًا عليها بين أغلب المجتمعات المسلمة في شهر رمضان، هي تقاسم وتشارك الطعام. تصنع طبقًا واحدًا وتوزعه على الجيران ويعود إليك عن كلّ طبقٍ طبقٌ مختلف من الطعام، لقيمات تعود طبقًا من الهريس، وطبَق هريس ربما يعود طبقًا من الثريد! عادة لا تختص بالفقراء بل للجميع تعبيرًا عن المحبة والرغبة في الثواب.
تخيلوا كم يجتمع في إهداءِ الطعام: المودة والأجر والثواب وحسن الجيرة والاحترام والتقدير وإفطار صائم! قبل أذان المغرب بقليل تبدأ المراسلات؛ خذوا هذا لبيتِ فلانة وذلك لبيت فلان وأَوصومهم أن يجربوه في الفطور! وفي كلّ مرة يعود طعام الجيران أطيب وأشهى من طعام الدار، لأنه هدية من الجيران!
ورد في الأثر أن رسولَ الله ﷺ خطبَ في آخر جمعة من شهر شعبان فحمد اللهَ وأثنى عليه وتكلم بكلام ثم قال: ”قد أظلكم شهر رمضان من فطر فيه صائمًا كان له بذلك عند الله عز وجل عتق رقبة ومغفرة ذنوبه فيما مضى قيل له: يا رسول الله ليس كلنا نقدر أن يفطر صائمًا قال: إن الله كريم يعطى هذا الثواب لمن لا يقدر إلا على مذقةٍ من لبن يفطر بها صائمًا أو شربة من ماء عذب أو تمراتٍ لا يقدر على أكثر من ذلك“.
يجمع الأكل بين العائلة والأصدقاء؛ المتزوجون حديثًا يجدونها فرصة لهم لكي ينضموا للأسرة الكبيرة على المائدة في شهر رمضان وغير ذلك من فرص التجمع التي يبث فيها شهر رمضان الروح الخيّرة في الأكل بين الأهل والجيران والمجتمع الكبير. فسحة زمنية يكون الأكل فيها دليل المحبة فقد ورد عن أبي ذر قوله: أن خليلي ﷺ أوصاني إذا طبختَ مرقًا فأكثر ماءه ثم انظر أهل بيتٍ من جيرانك فأصبهم منها بمعروف".
غاية المراد؛ إذا أعجبكَ أن تكسب الودَّ والأجرَ انفخ في هذه العادة روحًا من كرمك! لا نجعلها تختفي في زمن المادّيات الذي اختفى فيه أشياءُ كثيرة جميلة. إذا بعدت الدورُ لا تبعد الأرواح، كل ذلك يبقى مسافة خطوات صبيّ أو صبية لكي ننقل هذه العادة من جيلنا إلى الأجيال القادمة ويكون لنا أجرها، ولو بشيءٍ قليل! عادة لم ينقطع عنها القطيفيون - قديمًا - في سنوات الشدّة، كيف ينقطع عنها الأبناء في سنواتِ الرخاء؟!