جيل الإنترنت
هناك اليوم نقاش واختلاف في الآراء بين التربويين، والمختصين، حول أهمية التقنية في حياة الناشئة والأجيال القادمة، وما يترتب عليها من فوائد وأضرار مستقبلية مرتبطة بنواح تربوية، وصحية بدنية ونفسية، خصوصا مع انتشار الأجهزة الإلكترونية المختلفة على نطاق كبير بين الأفراد، وتوسع دائرة استخداماتها ومستخدميها من جميع الأعمار والفئات.
لقد أصبحت التقنية جزءا من حياة الأفراد، وخصوصا من حياة الأطفال اليومية، والمراهقين، وهم لما يزالون في مقتبل أعمارهم، إلى الدرجة التي لا يمكن الانفصال أو التخلي عنها بسهولة. فجيل الإنترنت أصبح متعلقا بالتقنية، ومتشبثا بالأجهزة الإلكترونية، والألعاب الإلكترونية، والإدمان عليها، حيث باتت أجهزة الهواتف المتنقلة في أيديهم منذ أعمار مبكرة، ويصعب انتزاعها من بين أيديهم، حيث يتراءى للبعض أن انغماس الأطفال في الاتصال بشبكة الإنترنت، المفتوحة على العالم كله، سيكون على حساب جودة التعليم، وتحصيل المعرفة والثقافة، والصحة البدنية والنفسية، فضلا عن استهلاكها لأوقاتهم، وإهدارها في جوانب سطحية واستهلاكية لا قيمة لها.
ولعل ظاهرة الإدمان الإلكتروني، كما يرى البعض، ازدادت اتساعا بعد انتشار فيروس ”كورونا“، وما تلاه من إلزامية التعليم عن بعد، مما أجبر أولياء الأمور على توفير أجهزة لوحية وكمبيوترات لأبنائهم، كي يواصلوا تعليمهم من منازلهم. واليوم ما أن يعود الطالب إلى المنزل، حتى يتسمر على كرسيه ممسكا جهازه، ومبحرا في الفضاء الرقمي بتطبيقاته الكثيرة، وألعابه المثيرة، وقضاء الساعات الطوال في اللعب والتصفح إلى أوقات متأخرة من الليل، مما يجعله يصاب بالتعب، والإرهاق، والخمول، والحرمان من النوم.
وعلى الرغم من انغماس الأطفال واليافعين والشباب في استخدام التقنية، فإن ذلك لا يلغي أهمية مسايرتهم ودعمهم، وفي نفس الوقت متابعتهم وتوجيههم، وإرشادهم حول الاستخدام الأفضل والأمثل لشبكة الإنترنت، وعدم حرمانهم من الاستفادة من قدرات هذه الشبكة وفوائدها، حيث يتوجب على الآباء والأمهات في المنزل مراقبة أبنائهم أثناء استخدام التكنولوجيا، كي لا يكون هناك إفراط في استخدامها يتحول مع الوقت لإدمان مرضي يصعب التخلص منه.
ويقع على عاتق الأسرة دور كبير في التوجيه والإرشاد، والحرص على جدولة أوقات استخدام الجوال، أو الأجهزة الإلكترونية الأخرى، قدر الإمكان، من دون إجبار الأبناء أو منعهم من استخدامها بالقوة، بل من خلال التواصل والحوار الهادئ، واستخدام الأسلوب التربوي في المخاطبة والإقناع، وإقناعهم بالتخلي عنها في أوقات الاستذكار، وعند أداء الواجبات المختلفة، وحين وقت النوم.
لا أحد يطالب بمنع الأجهزة الإلكترونية، وإيقاف تطبيقات الألعاب الإلكترونية، وإلغاء مواقع التواصل الاجتماعي بحجة التحصين والحماية. ففي هذا العصر الحل لا يكمن في المنع والإلغاء والإيقاف والرفض، وإنما الحماية الحقيقية تكمن في تغذية الأطفال بالقيم والمبادئ التي تحميهم، وزيادة معارفهم وثقافتهم، والحرص على وعيهم وتنمية ذكائه، وأيضا تطوير مهاراتهم التقنية، والأهم أن يتم تغذيتهم بمهارات مواجهة الأكاذيب، وسبل الخداع، والتصدي للتنمر، وكيفية التفاعل والتعامل مع المجهولين، فضلا عن أهمية تثقيفهم بالطريقة المثلى لأخذ ما يفيدهم من شبكة الإنترنت، وتجنب الضار والمؤذي.