ضرورة الفصل بين الفكرة والشخص
عالم الأفكار عالم واسع جداً، مليء بالتوجهات المختلفة. كلٌ له منهجه في التعامل مع الافكار وتحليلها ونقدها. لكن يوجد البعض ممن يعيشون تحت هذا الفضاء الواسع بشكل ضيق جداً، بحيث أنهم بعيدون عن أصل الفكرة وينشغلون بالشخص. وهذا نجده كثيراً أن البعض يذهب بعيداً عن الأفكار المطروحة، ربما بسبب عدم امتلاكه الرد على الفكرة أو سبب اخر مختلف. مشكلة هؤلاء يختزلون الأفكار في شخصها ويبتعدون عنها، ويحاولوا أن يقصوا الأخر. ونجد هذه الأساليب ممن يشعر دائماً بالقلق من التوجهات الأخرى، لكي لا يفقد جمهوره الواسع وتتسع الأفكار الأخرى. لذلك تجدهم مهوسون بالشخص الذي يُلقي الفكرة ولا يهتمون في أصل الفكرة ومعناها وكيفية الاستفادة منها.
هؤلاء الجماعات المنغلقة يخشون النقد وفي كثير من الأحيان يتعاملون مع النقد بردة فعل مبالغة وكأنَّ تم الإساءة لهم. إذ يحاولوا أن يبقوا في الواجهة ولا تتزعزع مكانتهم الاجتماعية. الفكر ليس مختزلاً بجهةً معينة تحدد المفاهيم والخيارات للأفراد، لأن عالم الأفكار عالم متسع، من خلاله يستطيع الفرد أن يختار ما يعتقد به. علينا دائماً أن نلغي الصورة التي تحاول أن تختزل الفكرة في شخصها وتذهب بعيداً عن الفكرة، لأن لا يمكن أن يُبنى حوار مبني على إقصاء للأخر. علينا أن نرسخ مبدأ الاختلاف، أن نتقبل بأن الأخر ليس مجبر أن يوافقنا علىما نؤمن به، وعلينا أن نوسع ساحة الفكر للأخر وأن نطرح أفكارنا ونشاركها.
ضرورة الفصل بين الفكرة والشخص ضرورة ملحة، نحتاج أن يكون عالم الفكر عالم صحي، عالم مليء بالتعددية والحرية والنقاش الهادئ، الأفكار يجب أن تطرح من جميع التوجهات وعلى الأخر أن يُقدم نقده لما يراه يستحق النقد. وعلينا كأفراد أن نتقبل نقد الأخرين، ولا ننزعج أو نستاء من نقدهم وننشغل بالناقد بعيداً عن النقد ونخرج عن أجواء العلم. ينبغي أن نخرج من سجننا الضيق الذي يضعنا في إطار ضيق من خلاله يجعلنا نتعامل مع الأخر بكل تعصب وانغلاق، وأن نبتعد عن أجواء القلق من الأخر. علينا أن لا نعيش صراع الثنائيات نحنُ/الأخر،
يجب أن نتقبل بأن العالم أوسع مما نظن ونفكر وللأخر رأيه كما لنا رأينا، وليس من حقنا أن نجبر الأخر والعكس كذلك.
علينا أن نعزز تداول الأفكار ونقدها، وأن نعطي مجال للجميع أن يشارك ويُبدي وجهة نظره، لعلنا نتوصل لأفكار لم نتوصل لها.