بشّر الوارث.. للأغنياء دون الفقراء!
عسى الذي أنزلَ من السماءِ المطر صباح هذا اليوم الجميل أن ينزل علينا من السماء موائد وذهبًا وفضّة نستغني بها! هل يكون ذلك عجبًا؟ كلّا! أليس هو القادر على كل شي؟ ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «114» قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾ . قيل أن تلك المائدة كانت تحوي أرغفةً من الخبزِ ومقدارًا من السمك.
بنى فلانٌ عمارة، أنشأ شركة، اشترى صناديقَ استثمار وأسهمًا من شركات، بنى دارًا فخمة، أرض قديمة ارتفع ثمنها، كل ذلك بشر الوارث! ابنِ وعمّر واستثمر واستفد من المال في حياتك لأنه من نصيب الوارث وقد لا تعرف من يكون! أعمل وكدّ مثل النمل أو النحل واستفد من كدّك! أعمل على أن تكون غنيًّا وذا مال وكن ممتنًّا لله! لأنّ آخر إعلان هو: انتقل فلانٌ أو فلانة إلى رحمة الله والمال تقاسمه الأبناء والورثة؛ لهم العافية والمهنّا!
ذكر ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة ما يلي: ”وجاء في الأثر أن أمير المؤمنين جاءه مخبرٌ فأخبره أن مالًا له قد انفجرت فيه عينٌ خرّارة، يبشره بذلك، فقال: بشّر الوارث، بشّر الوارث، يكررها، ثم وقف ذلك المال على الفقراء، وكتب به كتابًا في تلك الساعة“.
إذا كنت ممن يملك الملايين في المصرف؛ بينما أنت نائم هناك من يطير في طيّارة فارهة ويتنزه في أجمل الأماكن ويتبضّع من أغلى المتاجر، بأموالك المودعة وأنت ترى جردة الحساب نهاية كل شهرٍ أو فصلٍ أو سنة، أرقامًا فوق الورق! عنه ﷺ: ”يقول ابن آدم: ملكي ملكي، ومالي مالي، يا مسكين! أين كنتَ حيث كان الملك ولم تكن، وهل لك إلا ما أكلتَ فأفنيت، أو لبستَ فأبليت، أو تصدقتَ فأبقيت؟! إما مرحوم به وإما معاقب عليه، فاعقل أن لا يكون مال غيرك أحبّ إليك من مالك“.
الغرض هو أن نوازن بين ما نجمع وندّخر وبين ما نصرف ونستفيد من المال في الحياة وبعد الموت. الفائدة من المال في الحياة تعلو وتفوق الفائدة منه بعد الموت؛ الصدقة وأعمال الخير أكثر ثوابًا ومشاركته الورثة في الحياة أعظم بهجة. كم سهرنا من ليالٍ نفكر كيف نكون أكثر مالاً؟ كم قضينا الأيام نفكر كيف يكبر الرصيد في المصرف؟ عنه ﷺ: أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل العيشَ وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلتَ: لفلانٍ كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان".
في آخر ساعة، يقول الورّاث: ماذا ترك لنا؟ وتقول الملائكة: ماذا قدم لنفسه؟!