الهرطقيون
حدثني من لا يزال حيًّا يرزق قبل نحو من خمس وثلاثين سنة أنه عرض على? أحد أصحابه تبني الشيوعية، قبل هدم جدار برلين ببضع سنين، فسأله صاحبه: كيف نغدو شيوعيين؟! فقال له: ه?ذا سهل يسير؛ نترك الصلاة والصيام، ونهجر المساجد، ولا نقسم بالله، ولا نذكر شيئًا من الدين والتراث، وننكر وجود خالق له?ذا الكون.. إنما هي الطبيعة؛ صنعت نفسها.
اتفق الاثنان على? أن يَغْدُوَا شيوعيين؛ ول?كنهما تشارطا ألا تتبرج أخواتهما، ولا ينظر أحد إليهن، أو يستبيحهن، أو يدخلن في الشيوع، ونسيا شيوع الأموال والنص عليه؛ إذ لم يكونا يملكان شيئًا ذا بال!
ه?ذه طبيعة فهم بعضنا للعقائد والمصطلحات والأفكار... وإن شئتم، فصدقوا أننا لم نتغير كثيرًا؛ فقد نقلت إلينا قناة CNN، فرأيت أحد عمال شركة أرامكو في أحد المستوصفات الأهلية يفرض على الحاضرين قناة CNN، واقفًا قريبًا من تلك الشاشة، يهز رأسه، موحيًا للجميع أنه يفهم ما يقوله المذيع، وما تقوله المذيعة التي لم يُرَ مثلها، إلا في أفلام هوليوود التي يهربها الأمريكيون العاملون في شركة أرامكو!! أما الحاضرون، فلم ينبسوا ببنت شفة، فينكشف جهلهم، وضحالتهم الفكرية والثقافية!!
وإذا تنصر متنصر، أو ألحد ملحد، ظهر على القنوات، و”خرج على? قومه في زينته“، فلا ترى? إلا مثقفًا أو عالمًا نبذ «خرافاتنا وأساطيرنا وجهالاتنا»، وعرف وعلم أن لا إله، ولا خالق، أو أيقن أن الإل?ه الحق إنما هو...
ونرى? أمام ه?ذا المفكر حاسوبًا فيه كل شيء، وفيه مصادرنا ومراجعنا ومواقعنا، وهو يقرأ ولا يكاد يعرب أو يبين، وقد يقرأ في كتب بلغات أخرى?، أو نرى الكتب الورقية المطبوعة في بلادنا بين يديه! فما حجتنا وقد فضحنا على? رءوس الأشهاد؟! إنه صاحب منهج البحث العلمي، وقد بحث وأعمل أصول البحث، وكلامه منطقي، وكلامنا إنشائي لا يسنده مصدر ولا مرجع، ولا عقل ولا واقع ولا منطق؛ بل إننا أميون ملقنون متخلفون قد اضطهدناه وغيره، وقمعنا حرية تعبيرهم وفكرهم، وعذبناهم أنفسًا وأجسادًا.. فما أجهلنا وألأمنا وأقسانا!!
إن الدين الذي خاطب روحه أو الفكر الذي ناجى? عقله هو الحل، وهو المنجي لنا وله، وسوف يعمل على? إخراجنا من ظلمات الجهل والتخلف، إلى? نور العلم والحضارة والرقي والتقدم والتطور!
لقد أدركت ورأيت وسمعت أصحاب تيارات ومذاهب من قبيل القومية والبعثية والشيوعية، وأدركت من ناهضهم، وقد وضعوا في المتاحف، يستمتع بالنظر إليهم من يستمتع بالنظر إلى? حيوان يأكل الموز في الحديقة وغيرها!! ولسوف تمر الأيام، ويصبح ه?ؤلاء مثل أول?ئك، وإن غدًا لناظره قريب.
لا أطلب إلا حسن القيام على التعليم؛ لئلا تغدو الأجيال نهبًا لمهرطق هنا، ومهرج هنالك.