شيء من سيرة المرجع السيد محسن الحكيم
من أعاظم فقهاء الشيعة في القرون الأخيرة سماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم طاب ثراه، الذي كانت مرجعيته الأكثر انتشارا وشياعا والأكثر ضبطا ونظاما بعد مرجعية المرحوم السيد أبي الحسن الأصفهاني.
وكان السيد الحكيم قدس سره فقيها أصوليا بارعا، ومن فقهاء الطبقة الأولى حتى أن بعض أهل الاختصاص يرى أعلميته حتى على مثل السيد الخوئي قدس سره.
وكان السيد الحكيم رضوان الله عليه يمتاز بكثير من المزايا نذكر أهمها:
فقد أحاطت العنايات والألطاف الربانية والبركات والفيوضات القدسية بمرجعية السيد المعظم من بداياتها وحتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
ولنا أنموذج على ذلك يتمثل في فتواه الشهيرة التي قضت على المد الشيوعي الأحمر في العراق، حيث أنه قدس سره أفتى بأن الشيوعية كفر وإلحاد فكان لفتواه بالغ الأثر في توعية الشباب المؤمن وإنقاذهم من براثن الفكر الشيوعي والقضاء عليه قضاء مبرما مما أثبت قوة منصب المرجعية وأنها حصن الفكر الإسلامي وقلبه النابض وأعاد الحدث للناس ذكرى واقعة تحريم الميرزا للتنباك.
والظاهر أن أحد الأسباب التي ساهمت في انصياع المجتمع لفتوى الإمام الحكيم هو ما لمسوه من وضوحه وصدقه ومطابقة أقواله لأفعاله فقد كان كما ينقل السيد السيستاني عنه مثالا للشرع الحنيف في حركاته وسكناته ملتزما بالسنن والمستحبات ومواظبا عليها.
وكانت شخصيته بحسب نقل معاصريه على درجة عالية من الخلق الرفيع تمثل القمة في ذلك ولذا كان قدس سره يُعرض عن رسائل السب والشتم التي تصله من النفوس المريضة.
والذي يرشدنا لذلك هو الرصيد الضخم لمؤلفاته قدس سره ما بين كتب مطبوعة ومخطوطة حيث أنه صنّف في علم الفقه وعلم الأصول وعلم الدراية وعلم الصرف وعلم الفلك هذا مع لحاظ الظروف الاجتماعية التي عايشها قبل تصديه للمرجعية وبعد التصدي وكذا أعباء المرجعية الدينية لاحقا مع قيامه بها خير قيام ونهوضه بمهامها وحسن أدائه.
وهذه موسوعته الفقهية الشهيرة «المستمسك في شرح العروة الوثقى» شاهد حي على اطّلاعه الواسع على المصادر بل وإحاطته واستقرائه لآراء أعاظم فقهاء الطائفة وهضمها وهي كذلك شاهد على مدى براعة السيد الحكيم قدس سره في الجمع بين الروايات المتعارضة مما يكشف عن عمق الفقاهة مضافا لدقة الاختيار الفقهي المنبعث عن تقوى الله حتى نقل الشيخ محمد تقي الفقيه في أحوال المرجع الراحل أنه ربما نهض من فراشه كي يغير نص فتوى معينة مخافة أن لا تطابق الشريعة المقدسة.
ومن دلائل تقواه قدس سره أنه كان لا يفتي في موضوع ما حتى يدرسه دراسة مستفيضة تستوفي كافة جوانبه وأبعاده.
لقد أراح قدس سره من قبله وأتعب من بعده، لله دره وعليه أجره.
والحمد لله رب العالمين.